فيصل الزامل
استثارت خطب زعيم جبهة الانقاذ الجزائرية عباسي مدني حماسة الجماهير الجزائرية في بداية التسعينيات، وحدث صدام دموي بين الجبهة والجيش، ثم انفلت الزمام في صفوف الإسلاميين وفقد عباسي مدني السيطرة على الأمور فنشأت فصائل متطرفة وجيوب - لا يعرف أحد من أين جاءت - قامت بمذابح جنونية، وصار عباسي مدني نفسه هدفا لتلك الأعمال الاجرامية.
بعض الخطباء في العالم الإسلامي - سنة وشيعة - يختلفون عن فئة العلماء التي تميل الى النشاط العلمي ميدانها الكتب وحلقات العلم وجمهورها الطلبة والعلماء، بينما يعيش الخطيب الحماسي في بحر من المشاعر وبدلا من قيادتها يجد نفسه مقودا بها، في حين لا يعبأ العلماء بتلك المشاعر، ميزانهم هو القواعد الأصولية الكلية لا الحوادث الآنية ولهذا هم «ورثة الأنبياء»، العلماء لا يهمهم الكم، ولا يقبلون أن يفرض أحد عليهم مواقف لا تتفق والأصل العلمي الذي يعرفونه، وربما دفعت حماسة الخطابة البعض الى تطويع المطلب العلمي والأساس الشرعي، وقد يرتب مواقفه على غير أساس سوى ما يسمعه يوميا في الساحة الجماهيرية التي صار ميدانها الصحافة وشاشات الإنترنت وتخضع لمؤثرات نفسية وانفعالية، ما يسهل على المتربصين بهذه الأمة سوق تلك الجماهير الإسلامية بنفس الأسلوب الذي تمت به قيادة الجماهير العربية عقودا طويلة باستخدام لغة التخوين.
ان العالم الشيعي يختلف عن الخطيب الجماهيري، فالأول يدرس القواعد والثاني يخاطب العواطف، ولهذا تسمع في مجالس العلم مباحث ثرية سواء في الاقتصاد أو في شؤون الأسرة وموقف الإسلام من القضايا المعاصرة وترى شيئا يتسم بالنضج والاتزان، أما الخطيب الجماهيري فحاله لا يختلف عن زميله في الوسط السني، يتفاعل مع الجماهير وربما طوع النص وانتقى روايات جمع بينها وأضاف اليها من عنده ما يجعل مجلسه أكثر تميزا من غيره من الخطباء وأفضل حتى من مجلسه هو في العام السابق.
لقد تكرر نموذج عباسي مدني كثيرا حيث يفلت الزمام من الخطيب الجماهيري وربما كان هو أولى ضحايا ذلك الانفلات ما لم يوافق على طلبات الجمهور، ففي الجزائر طلبوا من أحد الخطباء مطالب لم يستجب لها فذبحوه بالسكين أمام داره، وفي ايران ألزموا كثيرا من العلماء الاقامة الجبرية، بسبب رفضهم مطالب لا تتفق وأصول الدين بقدر ما تلبي مطلب الجمهور الذي هو في حالة ايران، تقوده دولة!
اننا لو استخدمنا لغة الشركات فيمكننا القول ان حماس ادارة التسويق يجب ألا يكون على حساب جودة المنتج وليعذرنا بعض الخطباء الذين بالتأكيد لا ينطبق عليهم هذا الوصف، ولينتبه من يشمله الوصف المذكور فإن الرائد لا يكذب أهله، وليتحر كثيرا فقد رأيت بعض من يبني موقفه حسب ما يصل الى مسامعه بغير تثبت، وينسى أنه ليس كغيره من الناس، فقد آل اليه منبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، وأي مسؤولية أعظم من هذه المسؤولية؟!
كلمة أخيرة:
قبل سنوات استضافت قناة «الجزيرة» الشيخ محمد العبدة، وكانت تريد منه ردودا على المتصلين المتحمسين فقال لهم «يا إخوة، المسائل الشرعية لا تسلق بهذه الطريقة، والتثبت مطلوب حتى نعي ما نقوله للناس»، كانت آخر مرة تستضيفه «الجزيرة».