فيصل الزامل
بلغت الأموال التي جمعها الحزب الديموقراطي لحملته الانتخابية ملياري دولار وهو ضعف مبلغ انتخابات 2004، وجاءت غالبية تلك الاموال من القطاع المالي، كما يقول «معهد كارنجي» والسؤال المطروح، ما الثمن؟ وهل تدفع البنوك والمؤسسات المالية هذا الرقم الضخم، في هذا الوقت المالي السيئ بالنسبة لمعظمها بلا مقابل؟
لقد أصدر الكونغرس قانونا لفصل المال عن السياسة إلا أن هذا القانون حبر على ورق، فالأموال تنهمر علنا على الأحزاب وعبر مواقع الإنترنت، وهي ـ مرة أخرى ـ ليست مجانية، ما يعني أن المصالح العليا للبلاد تأتي في الدرجة الثانية مقابل مصالح البنوك والشركات التي قدمت تلك الاموال، ولهذا فإن القرار السياسي او العسكري ـ في معظم الحالات ـ لا يستند الى مسوغات مفهومة، والشعب الاميركي، وغيره من الشعوب، هو وقود تلك التصرفات التي ذهب ضحيتها الآلاف سواء بالقتل في حروب ذات غرض تجاري لصالح شركات السلاح او النفط، او بسبب الانتحار، فقد ادت الضغوط على الجنود الى زيادة معدلات الانتحار بشكل كبير ـ انتحر 118 جنديا في 2008 فقط ـ والعالم اليوم بحاجة إلى الولايات المتحدة كدولة رشيدة لا تقودها شركات «الدوت كوم» و«انرون» وغيرها من المؤسسات الفاسدة، وقد حاول القانون ان يربط مصدر تمويل الانتخابات بالناخبين انفسهم عن طريق تحميل دولار على كل مواطن، وهو مبلغ كاف في الظروف العادية، فليس متصورا أن التكاليف بين 2004 و2008 قد ارتفعت من مليار إلى ملياري دولار، بقدر ما هو تحول خطير لرسالة العملية الانتخابية لتصبح مناسبة تجارية تمول من خلالها الأحزاب ميزانياتها، وتنفخ جيوب ونفوذ زعاماتها، وتقول صحيفة «منيابلس ستار تربيون» ما يلي «دخلت هذه الانتخابات التاريخ تحت اسم انتخابات الملياري دولار، ولابد من وقفة مراجعة تجاه اعتماد التبرعات على الاغنياء، بدلا من المواطنين حتى تنحاز السياسة إليهم، بدلا من مصالح الاغنياء وحدهم».
انها رسالة لمن يتحدث عن النظام الحزبي دون ان ينتبه إلى مخاطره، حيث ستتولى الشركات تمويل ذلك النظام، وتوزيع ما يسمى بالصحف بشكل مجاني، وهي في الواقع منشورات سياسية ذات غرض مصلحي في نهاية المطاف، وليس أدل على ذلك من تراجع المطبوعات ذات المنطلق الفكري، وكثرة المطبوعات المسنودة من شركات اقتنعت بأن الانفاق المالي هو الطريق الى النفوذ، وان الصرف في الساحة السياسية يرجع ربما أضعافا مضاعفة، ولا أهمية للشعارات المرفوعة في مثل هذه الاجواء، فهي لا تعدو أن تكون «طير قنص».
أما بالنسبة لفوز أوباما، فقد وضع الناخب الاميركي، ومن ورائه شعوب كثيرة، آماله في الادارة الاميركية الجديدة لاحداث التغيير الذي تحدث عنه أوباما، وإذا كان من أكبر أخطاء الإدارة السابقة وجود سلسلة اختيارات خاطئة للقياديين، سواء العسكريون او الاقتصاديون، فإن اول علامة على السير في الطريق الصحيح هي اختيار نماذج جيدة، بدلا من رئيس بنك دولي يغرق في شبر ماء في فضيحة جنسية او ممثل للولايات المتحدة في العراق ـ الذي سبق بريمر ـ وتم تغييره بعد شهرين فقط من تعيينه، في اعتراف بخطأ ذلك الاختيار ومثل هذا الكلام يقال عن وزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد... إلخ. إننا مضطرون للكلام في الشأن الداخلي الاميركي لأنه اصبح شأنا دوليا، شئنا أم أبينا، وآن لواشنطن ان تستمتع إلى الشعوب الكثيرة التي تابعت الانتخابات الاخيرة وربما أثرت في سيرها عبر تظاهرة كبيرة، هي الأولى من نوعها، الأمر الذي يتطلب من القيادة الجديدة تغييرا في نمط علاقتها ببقية الشعوب، وليس مع الشعب الاميركي وحده.
كلمة أخيرة:
سئل شخص أميركي انتخب قبل اسبوعين، مقيم في الخليج، فقال: «لفظنا الجمهوريين (أخرجهم من معدته) لأنهم أشاعوا اليأس بين الناس، وعرضوا سمعة بلادنا إلى السخرية، وعبثوا بالاقتصاد بشكل مريع» انتهى من كلامه عن رأي الناس في السياسيين هناك، وتأملت في وجه التشابه مع حالنا، و.. «الفال لنا».