فيصل الزامل
تعقد الأمم المتحدة في نيويورك قمة حاشدة موضوعها «الحوار بين الأديان» يحضرها صاحب السمو الأمير، بمشاركة دولية واسعة تؤكد اهتمام الأسرة الدولية بالحفاظ على الدين حسب طبيعته السمحة وتخليصه من اختطاف المتطرفين ومن ورائهم أجهزة استخباراتية وجدت في الشباب المغرر به مادة خصبة لتنفيذ عملياتها بغير استخدام عناصر بشرية من دول تلك الأجهزة الخبيثة في مخططاتها، ووسائلها الشديدة التدمير، وقد سخر الرئيس الأميركي المنتخب اوباما أثناء حملته الانتخابية من منافسه ماكين الذي قال: «سألاحق بن لادن وألقي القبض عليه»، فأجابه أوباما «هذا الكلام تقولونه منذ سبع سنوات، انه شيء يثير الضحك والأسى معا»، وأشاح بوجهه نحو الجمهور الذي شاركه الملل من تلك الأسطوانة المشروخة.
لقد نجحت المملكة العربية السعودية في ادارة الحوار داخل السجون مع المتشددين بجهود تطوعية قام بها علماء آمنوا برسالة الاسلام الصحيح، وحملوها الى من حاد عن الطريق ليس خوفا عليه في الدنيا فقط، ولكن طلبا لسلامته في الآخرة من مصير «لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما»، وهذه الجهود أنجى الله بها المئات من الشباب، الأمر الذي يؤكد أن المعالجة الأمنية وحدها غير كافية، وأن جهود الحوار هامة وفعالة.
لقد شهدت اوربا تطرفا دينيا مدمرا أثناء حرب البوسنة مارس خلاله المتعصبون أعمال القتل على الهوية، وتم خلال ثلاث سنوات اغتصاب 50000 فتاة وسيدة مسلمة، تقول احداهن بعد أن وثب عليها ابن جيرانها الصرب ليعتدي عليها، وقد صاحت به تذكّره بأنها كانت تعتني به اذا غابت والدته عندما كان طفلا «كيف تفعل هذا معي الآن؟»، انها وحشية التطرف التي يستبيح معها الانسان أرواح الناس وأعراضهم اذا رتب في رأسه قناعة مدمرة لا تقبل الآخر، وتمقته بشكل لا محدود، والمؤلم أن يتم ذلك باسم الدين وهو منه براء، فقد رأينا من المتطرفين من لا يمارس أبسط واجباته الدينية ولا يقيم لها وزنا، وسبق لي أن فرقت بين الطائفية والمذهبية، بعد أن رأينا في منطقتنا العربية أن علماء الدين - في الغالب - أقل حدة في خلافهم مع بقية المذاهب من السياسيين وأتباعهم من العوام الذين تسيطر عليهم مشاعر كراهية هائلة ليس بسبب الدين، بقدر ما هو الخوف على الدنيا، كالأرزاق والمساكن والوظائف، هذا الأمر رأيناه واضحا في البوسنة وكوسوڤو، حيث تحول الحرص على المناطق الزراعية أو المناطق الحيوية مثل «سربرينتشة» في البوسنة التي تضم أكبر مصنع للحديد في يوغوسلاڤيا السابقة، إلى ذريعة دينية وجهت بسببها القوات الصربية صواريخها اليها، واحتل القناصة رؤوس الجبال ليمطروا أهلها بالرصاص.
إن سماحة الاسلام هي سر انتشاره السريع، ففيه يقرأ المسيحي عن عيسى گ وأمه الصديقة ما لا يجده في غيره، ومن يتجاهل تلك السماحة وينزّل على الناس أحكاما فإنه على وشك أن يقع في الوصف الوارد في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن جندب أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: «من ذا الذي يتألّى علي ألا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك».
كلمة أخيرة:
كان عمر رضي الله عنه يعسّ في المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحدا إلا أخرجه، إلا رجلا يصلي، فمر ذات ليلة بنفر جلوس فقال: ما خلّفكم بعد الصلاة؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، فجلس معهم، وجعل يستقرئهم القرآن واحدا تلو الآخر، فلما بلغ أدناهم منه أخذته رعدة وسكت، فقال له عمر: ولو أن تقول «اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا» ثم أقبل يدعو لهم وله، وسال دمعه وهو يترفق لهم بالدعاء وطلب الرحمات، فلما فرغ قال: «إيهاً، الآن فتفرقوا».