فيصل الزامل
فوز أوباما سبقه عمل طويل قامت به الأمة الأميركية - الأفريقية على مختلف الأصعدة، في نقابات العمال والرياضة والخطابة والفن وسنتوقف قليلا مع الفن، وتحديدا السينما، حيث لعبت الأفلام الأميركية دورا كبيرا في تحسين صورة الأميركي الأفريقي التي لم تعد مقرونة بالتخلف والوحشية كما هي صورة الهنود الحمر أو العرب، بل هي فئة مكافحة، ومن النادر أن يسند دور المجرم في الفيلم الى شخص أسود، بل في الغالب هو رجل أمن أو شخص مضطهد استطاع في نهاية الفيلم أن ينقذ طفلة بيضاء من براثن مجرمين من البيض..الخ، وربما كانت بداية هذا المشوار هي مع سيدني بواتييه، في فيلم «لأستاذي مع التحية» في أواخر الستينيات، وقد استمر هذا الممثل في أداء أدوار تصب في مجملها لصالح تصحيح الصورة القديمة عن هذه الفئة التي عانت في عصر العبودية الشائن واستطاعت بمهارة ان تحول تلك المعاناة الى ركيزة تنطلق منها بدلا من البكاء والنحيب، وقد أخبرني أحد الاقتصاديين انه شارك في مؤتمر عقد العام الماضي في الأردن، وألقت فيه وزيرة الخارجية الأميركية «كونداليزا رايس» كلمة حول امكانية الخروج من حالة الجمود والتخلف، يقول: التقيتها في ممرات الفندق، استوقفتها وقلت لها «لقد قدمت لنا الأمل بإمكانية التغيير» فقالت «انظر الينا، كان أهلنا عبيدا مضطهدين في أميركا، وهم اليوم يأخذون مكانهم الذي يتناسب مع دورهم في تأسيس الولايات المتحدة، أنتم تستطيعون أن تفعلوا أكثر».
بالقياس مع النموذج الأميركي - الأفريقي، يمكننا أن نتوقع شيئا مماثلا للأميركي - الصيني، حيث نجحت هذه الشريحة أيضا في الدخول من بوابة السينما، وكانت البداية في مسلسل «كون فو» ومن بعده سيل من الأفلام التي تظهر الأميركي - الصيني كشخص قوي البنية، يستمد حكمته من عمق التاريخ في الصين القديمة، والتجارب العريقة منذ آلاف السنين...الخ، اليوم هذه الشريحة ليست هي التي قصفت «بيرل هاربر» وتسببت في دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، بل هم شريحة أساسية في لحمة المجتمع الأميركي، ومن غير المستبعد أن يسطع نجم أحد أفرادها سواء جاء من بوابة «هارفارد» أو من ساحة التمثيل كما حدث مع ريغان أو من «وول ستريت» فالعمل الدؤوب الذي يسير عليه أبناء هذه الشريحة لا يلبث أن يوصلها لما وصل اليه غيرها.
صحيح أن صورة العرب «إعلاميا» بالغة التشويه بعد ربطها بالإرهاب منذ عشرات السنين، بل منذ أن بدأت السينما، بفعل فاعل (...) ولكن عنصرا جديدا لم تحسب له دنيا السينما حسابا صحيحا يتمثل في القبول الواسع للديانة الإسلامية وهو أمر يتجاوز قبول شريحة صينية أو أفريقية الى تحول أهل البلاد الأصليين في أميركا وأوروبا الى الدين الإسلامي وتجاوزهم تلك الحملات الدعائية بشكل يشبه الصدمة لمن قادوا عملية التشويه، فاعتناق الدين يعني شيئا يتجاوز مجرد قبول فئة، حتى إن لم ينعكس ذلك حاليا على تغيير سياسات الدولة ولا تساهل المتحولين في مصالح بلادهم، إلا أن الحديث لا بد أن يفتح يوما ما حول تعريف «ما هي مصالح بلادهم» في ظل مفاهيم جديدة لا تكتفي بإنصاف فئة في المجتمع، وتمتد الى انصاف المجتمع بأسره، وتحريره من قيود المادية التي أضرت بجميع الشرائح بلا استثناء.
إن الطرح العالمي للقضية الدينية - كما يحدث الآن في نيويورك - يمكن أن يخفف من الغلواء ضد العرب والمسلمين، وما لم ينتهز الجميع هذه الفرصة لتحقيق التوازن فقد يأتي عصر ترغب فيه «غالبية» المجتمع الغربي في القيام بمراجعة أشمل بكثير من اسناد منصب رئاسة الدولة الى شخص من هذه الفئة أو تلك، فلتقم الدول بواجبها الرشيد طواعية، حتى تحدد مسارات مستقبلها باختيارات ذكية لا صلة لها بعصر هيمنة أمة على أمة.
كلمة أخيرة:
أمر عمر ( رضي الله عنه ) والي مصر عمرو بن العاص أن يحفر خليجا من نيلها حتى يسيل في بحر القلزم، واستغرق الأمر عاما كاملا انتهى بعده حفر «خليج أمير المؤمنين» وجرت فيه السفن.