فيصل الزامل
ضبطت هيئة السوق المالي السعودي 151 حالة تلاعب بالأسعار وغش للمتداولين، وذلك في عام 2008، مقابل 98 حالة فقط في عام 2007 أي بزيادة 54%، ولاتزال 109 قضايا احتيال قيد التحقيق، وأعلنت الهيئة «سنستمر في اتخاذ الإجراءات الرادعة لحماية المواطنين والمستثمرين من الممارسات غير العادلة والتي تنطوي على تدليس أو احتيال أو غش أو تلاعب»، اللافت للانتباه ان عمل هذه الهيئة لا يعتمد على شكاوى الناس، وأن معظم ضبطياتها تقوم على جهاز متخصص بالرصد والمتابعة، تقول الهيئة: «..وقد انخفضت الشكاوى المتسلمة من المتداولين في العام الحالي بنسبة 38% عن العام السابق، ما يشير الى ازدياد وعي المستثمرين، وقد أظهر التحري 193 مخالفة لمتداولين عبر الإنترنت وتم استجواب المخالفين وأخذ التعهدات عليهم بالتوقف الفوري عن ممارسة الأنشطة المخالفة لنظام هيئة السوق مع إغلاق مواقعهم الإلكترونية» انتهى.
في تجربة سوق «المناخ» عشنا دروسا كثيرة، لكننا لم نستفد منها كثيرا، ففي السنوات الأخيرة تحول استغلال الناس من تصرفات أفراد يمارسون «الشطارة» والتدليس الفردي، الى مؤسسات سواء كانت للوساطة المالية أو شركات استثمارية، بل وأحيانا بنوك وشركات تأمين، تدير محافظ مالية كبيرة بغير وسطاء، ولكن يستدرجها إغراء الربح لاصطناع أسعار عبر طلب مفتعل يضلل أفرادا مساكين أدمنوا النظر الى الشاشة، دون أن يعرفوا من يجلس وراء تلك الشاشة ويتلاعب بأقوات الناس.
ان مقارنة الأنشطة التجارية المنتجة والنافعة مع نشاط المضاربات تكشف عن حقيقة مؤلمة، ففي حين تغيب الرقابة الفعالة عن المتلاعبين يعاني صاحب المشروع النافع بشكل لا يتصوره العقل، وقد كتب الأخ والزميل سامي النصف ما معناه: «لو كان الأمر بيدي لوضعت نصبا رمزيا في ساحة الصفاة تكريما لمن يدير نشاطا تجاريا نافعا في البلاد، باعتبار أن بلوغ النجاح في الكويت يعني تحقيق شيء يشبه المعجزة في بلد يقاوم هذه الفئة بضراوة» انتهى، ففي الوقت الذي يستسلم فيه الأفراد والمؤسسات للمتلاعب في سوق الأوراق المالية ـ كما فعلوا في الغرب مع مادوف ـ فإن العكس تماما يحدث مع من يعمل بجد واجتهاد وبصدق وأمانة، حيث تحاوطه الظنون السيئة ويترصد خطواته موظفون في دهاليز الوزارات وجهات تمويلية لا تهتم بمتابعة عمله ميدانيا كي تتعرف على مصاعبه وتساعده على اجتيازها، في الوقت نفسه تسلم استثماراتها بالملايين الى سوق يقولون «هم» عنه أنه «كازينو قمار» ومع ذلك يقعون في الفخ أكثر من مرة، وقديما قالوا «مال البخيل يأكله العيار»
كلمة أخيرة:
قال عمر ( رضي الله عنه )، يصف الذنب إذا تأخرت عقوبته: «لم أر شيئا أشد طلبا ولا أسرع دركا من نعمة حديثة يطلبها ذنب قديم فيتلفها».