فيصل الزامل
مما لا شك فيه أن الالتفاف حول الدستور ـ وليس عليه ـ كان صمام الأمان في مناسبات كثيرة، وأشهرها مؤتمر جدة 1990 وأزمة الحكم عام 2006 الأمر الذي يؤكد الحاجة الماسة إلى هذه المرجعية، ومن المؤكد أيضا ان من يطبق نصوص الدستور هم بشر يمكن أن يعتريهم الضعف البشري في توجيه (...) النصوص.
هذا الأمر يحدث حتى مع النصوص الدينية، ومن باب أدعى أن يحدث مع نصوص الدستور، ولم تكن تلك النصوص لتحقق النتائج الرائعة عامي 1990 و2006 لو لم تتسلمها أيد أمينة، وهو ما نعاني منه بشأن القوانين الجميلة التي توضع ثم تخترق من جانب طرفي السلطة، صحيح أن من بيده القرار هو السلطة التنفيذية وأنها تتحمل المسؤولية، وصحيح أيضا أن أطرافا في السلطة التشريعية قد أتقنوا خرق تلك القوانين عبر أساليب التهديد والوعيد ما أدى إلى سلب «الصلاحيات» ليس من السلطة التنفيذية فقط بل حتى من بقية أعضاء السلطة التشريعية ممن حرموا من وصول القضايا إليهم للمناقشة والتصويت عليها، بسبب تلك الأساليب المكشوفة التي عطلت بعض مواد الدستور مثل المادة 50 المتعلقة بفصل السلطات.
نعم، الحكومة ضعيفة وتتراجع عن قراراتها وتلغي عقودا أبرمتها، وليس من العدالة أن يبقى المتسبب الحقيقي في ذلك الضعف متواريا وراء الشعارات وهو يصوب سلاحه من تحت قطعة قماش من البلاستيك الشفاف، والناس كلها تعرف وتشاهد، ولكنها تلوم هذا الذي يسير رافعا يديه من الخوف بغير أي التفاتة نحو الخاطف، وهو أمر يذكرني بمشهد رأيته في شهر ديسمبر عام 1990 في بغداد، كنت أسير مع الأخ العزيز جار الله الجارالله في شارع السعدون، وفجأة رأينا في شارع فرعي مجموعة من الجنود يسحبون رجلا من باب بيته وانهالوا عليه بالضرب، قلت لصاحبي «انظر إلى الناس في المحلات، لم يلتفت أحد إلى المشهد المؤلم، هذا يعلق الملابس على باب دكانه الخشبي والثاني يرص علب البضاعة أمام فترينة المحل، لم يلتفت اليهم أحد سوانا، والسبب هو طبعا الرعب» هذا الأمر يحدث في الكويت في مسألة نعرف جميعا ملابساتها، ولكن أحدا لا يتحدث عن السبب الحقيقي لضعف السلطة التنفيذية.
البعض يقول، الناس الذين انتخبوهم هم المسؤولون عن ذلك، والحقيقة المرة ان قوة «الخاطف» مستمدة من تمريره معاملات المئات من البشر والتعيينات الجائرة للآلاف منهم، ولا تسأل شخصا انتفع بهذه الطريقة عن السبب في تصويته لـ «الخاطف» فأنت تطلب منه المستحيل.
ما الحل؟
لا جدال في أن الانتخابات المزمع إجراؤها ـ بعد الحل الدستوري ـ ستعيد نفس التركيبة، على أحسن الفروض، فالخلل هو في توظيف النصوص الدستورية وسهولة الالتفاف عليها، وما لم يتم إصلاح الخلل فإن أفضل العناصر ستضطر إلى سلوك نفس منهج سقيم تشجع على انتهاجه الدولة بكل أجهزتها وإداراتها، من يستطيع الوقوف أمام هذا التيار؟ إنها الطبقة الواعية التي تريد «حقا» حماية الدستور من هذا التوظيف الخطير لبنوده، هذه الطبقة تتحمل مسؤولية كبيرة في القيام بالمراجعة المستحقة، وهي لن تقل شجاعة ـ مع الفارق ـ عن جماعات إرهابية في مصر أعلنت قبل سنوات عن مراجعات هامة، وبالأمس أعلنت الشيء نفسه جماعات أخرى في الجزائر، ولا معنى لتجاهل الواجب المستحق إلا التفريط في مسؤولية وطنية كبرى، والاكتفاء بترديد ما يردده العامة مما نقرأه كل يوم في الصحف.
كلمة أخيرة:
جاء رجل إلى عمر ( رضي الله عنه ) يريد أن يشكو إليه شدة لسان زوجته معه، وعندما بلغ الباب سمع امرأة عمر تكلمه بصوت عال وهو ساكت، فقال: «إذا كان هذا هو حال أمير المؤمنين فكيف حالي؟!» فلما بلغ عمر أن الرجل بالباب خرج فرآه موليا، فدعاه وسأله عن حاجته، فأخبره الرجل بما سمع من وراء الباب ولهذا انصرف، فقال عمر ( رضي الله عنه ) «تحملتها لحقوق لها عليّ»... يعني العشرة.