فيصل الزامل
الديموقراطية الحقيقية تختلف عن الديموقراطية العرجاء التي نظمت سرقة المال العام عبر شراء الأصوات بالدفع العيني والتي منحت السرّاق غطاء مشبوها يسمونه «حقنا الدستوري»، هذه «العرجاء» هي التي كممت أفواه الناس، وجعلت التعبير عن الرأي جريمة يعاقب من أجلها المواطن بطلب من بعض أعضاء في مجلس الأمة «الأعرج» كونهم يملكون حقا مطلقا في ملاحقة الشرفاء من العاملين بالدولة، وفي الوقت نفسه يتحاشون مجرد الكلام عمن يسخر صلاحياته الوظيفية لملء الوزارات بالذين صوتوا له أو من يعزّ عليهم، هذا الاستعمال المشبوه للديموقراطية يمثل سلبا لأماني الشعب بالديموقراطية التي أرادها الدستور ومن وضعوا بنوده قبل نصف قرن.
لقد تسببت هذه الممارسة في عزوف كثير من الناس عن التصويت في الانتخابات المقبلة، وبعضهم عن الترشيح، ومن يتحاشى مواجهة هذا الانحراف فهو يشبه الفلاحين في بعض الأرياف العربية ممن يخشى محاورة أي شخص يلبس عمامة ويدعي العلم بالدين، هذه الرهبة الزائدة عن مواجهة المتاجرين بالديموقراطية، اما أنها بسبب الجهل أو التواطؤ مع الخاطفين الذين لا يختلفون عن مختطفي طائرة من الأغبياء الذين يرفضون تصديق الطيارين بأنهم سيسقطون في البحر بسبب نقص الوقود، وقد حدث هذا حقيقة عندما سقطت الكويت في بحر الاحتلال بسبب إصرار الخاطفين، ومع الأسف الشديد لم يواجهوا العقاب ما شجعهم على تكرار تلك الفعلة بصورة أشد قسوة هذه المرة عبر الانتقال الى تحريض أبناء المجتمع الواحد على بعضهم البعض، وكلنا يذكر حديث بعضهم عن قضية الأسرى بعد التحرير مباشرة الذي وجهه الى أهالي الأسرى في القاعة «لو يبون يحررون عيالكم جان سووا مثل ما سووا حق عيالهم»، هذا المنهج الشيطاني التقطه «مقلدون» لا يكفون عن تصوير الأمور على ما يشتهون وهم في ذلك لا يرعون في وطنهم «إلا ولا ذمة».
إن الصمت المريب الذي يعتري قلة تنتقد «المراجعة الدستورية» يخدم المنتفعين من هذا الوضع، فلا يكفى توجيه اللوم الى السلطة المختطفة ـ تحت تهديد «زعزعة الاستقرار» في حال عدم الرضوخ للمطالب ـ هذه القلة تمثل الغطاء الحقيقي للخاطفين، وأعجب منهم من صدمته السرقات الصارخة تحت قبة البرلمان وهاجم ذلك بشدة يشكر عليها، وفي الوقت نفسه هو غير مقتنع بمراجعة السبب الحقيقي لذلك الانحراف.
ما الحل؟
ألسنا مطالبين بمواجهة الاستبداد أنى كان مصدره؟
هل يجوز أن نسير بخطى متسارعة نحو «الديموقراطية التوافقية» بالنموذج اللبناني الغريب؟
ليس بواسطة الثلث المعطل ولكن بمنع وصول أي قضية مهمة الى مرحلة التصويت عبر غوغائية كريهة لم تكن لتؤثر لولا صحافة عجيبة لا صلة لها بالعمل المهني، بعد أن تم اختطافها هي الأخرى حينما عجز رئيس التحرير ـ في معظمها ـ عن الحفاظ على مهنيتها، بسبب براعة الخاطفين.
نعم، الغوغائية هي من فعل تلك الصحف قبل من يمارسها، فقد قالت العرب: «من نقل إليك شتيمة غيره لك، فقد شتمك».
كلمة أخيرة:
مال حمل الحمار لغلام راع من جهينة كان يسوق جداء ليبيعها في المدينة، فوقف ليعدله، واذا برجل يمر بقربه فناداه ليعينه، فلما فرغ قال له الرجل: «قل لأبيك، إياك وذبح الجداية فإن ودك العتود خير من أنفحة الجدي» يوصيه بتسمينها حتى يبلغ عمرها سنة وتسمى العتود، للمعز.
قال له: من أنت يرحمك الله؟ قال: عمر بن الخطاب.