فيصل الزامل
الصورة الحزينة للمشهد السياسي تقتضي محاولة رسم الصورة الأخرى الجميلة التي نتمناها، فربما ساعد ذلك على تحقيقها بعد سنوات قليلة، ففي تلك الصورة الجميلة لن يحتاج المواطن الى واسطة لانجاز معاملاته، ولن يضطر الى العلاج في الخارج وسوف يجد أبناؤه التعليم الجيد في بلادهم ولن يسافروا بعد الثانوية العامة الى دول المنطقة كما كان الحال في السابق حينما كانوا يجوبون المطارات بحثا عن التعليم الذي عجزت بلادهم عن توفيره للجيل السابق لهم، في هذه الصورة الجميلة سوف تكون الوظائف القيادية ـ في شتى المواقع ـ شيئا ممتعا لمن يتحملون المسؤوليات الجسام رغم ثقل المهام عليهم الا أنهم يشعرون بالسعادة لخدمة وطنهم على النحو الصحيح، الأمر الذي يبعث البهجة في نفوسهم.
الصورة التي نتوقعها للعمل «السياسي» أيضا راقية، وسوف تحاكي ما يحدث في بريطانيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بالمنافسة الشريفة وعدم استخدام الألفاظ غير اللائقة، صورة يجد فيها كل مواطن لنفسه موقعا بعد أن تم نبذ التصنيفات الفئوية، والناس لا ينشغلون أكثر من اللازم بما يجري في أروقة مجلس الأمة، فقد أدوا واجبهم في اختيار ممثليهم ثم مضى كل منهم الى عمله فلا حاجة للتواجد اليومي من أجل إشباع الفضول على نحو ما يجري عندما يحدث اصطدام بين سيارتين فيتجمهر الناس مما يعيق حركة المرور وحتى إسعاف المصابين.
في هذه الصورة الجميلة تشعر قيادة الدولة بالسعادة وتتنبه أكثر لاستشراف مستقبل هذا الوطن، فهي ليست مشدودة في أزمات متلاحقة تشتت تركيز تلك القيادة، على العكس من ذلك، هي تتابع أحدث أساليب ادارة الدول المتقدمة وتنتقي منها ما يلائم بلدها وتتخير من بين الكفاءات المختصة من يجيد نقل تلك الخبرات والزيادة عليها، بينما كانت في السابق مثل رب أسرة يقود سيارة مليئة بأفراد عائلة متشاكسة ومضطربة، فينشغل بالرد والصراخ عما يجري أمامه في الطريق، والنتيجة المحتومة هي حادث قاتل أو مجموعة حوادث مدمرة.
مناسبة هذا الكلام هي قول بعضهم «إن ما وصلنا اليه هو شيء تم توقعه منذ خمس سنوات تقريبا» والحقيقة أنه منذ خمس سنوات تم استدعاء هذا الوضع الذي وصلنا اليه، والعمل ليل نهار لبلوغه، وقد تضافرت الجهود لتحقيق هذا الهدف بكل أسف، ولو أن هذه الجهود قد توقعت ـ وأرادت ـ التغيير الى الأفضل لصدق فيهم قول الباري عز وجل (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته).
عموما نقول لهؤلاء: لقد نجحتم، وها نحن نشهد توجها لإخلاء البرلمان لكم عبر الحيلولة دون ممارسة النواب لمهامهم بالأسلوب المكشوف والذي دعا غالبيتهم الى الامتناع عن ترشيح أنفسهم تعبيرا عن السخط على فئة تدعي نظافة اليد بينما هي مثقلة بالسرقة العينية ومنتفخة بشعور النفوذ والسلطة الذي تفوق أهميته عند هؤلاء حتى تلك المنافع المادية.
كلمة أخيرة:
قال الأحنف بن قيس: سمعت عمر ( رضي الله عنه ) يقول «تفقهوا قبل أن تسودوا»، ان طلب الرياسة بغير علم ومعرفة سبب لضياعها.