فيصل الزامل
ابنة صاحب محل لبناني يعيش في السعودية، جاءت إلى زيارته وأخبرته بأنها لا تريد أن ترجع إلى بيروت، رغم أنها في السنة الجامعية النهائية وتريد البقاء معه في الرياض، تقول: «الحياة هناك أصبحت خانقة، الطلاب يدخلون إلى الحرم الجامعي ولون عيونهم طبيعي ويخرجون منها وقد ابيضت من الضغط النفسي، أجواء الكراهية تملأ كل ركن في الجامعة، خنادق حزبية وأخرى طائفية وثالثة انشقت عن الأولى ورابعة انشقت عن الثانية، تعبئة وشحن نفسي لا يتوقف، مربعات الحقد على كل شيء منتشرة في كل ركن من زوايا الجامعة، بل في كل فضاء لبنان عبر تلفزيونات تنقل كل ليلة ما يؤكد لنا أن مستقبلنا مظلم، أنا خائفة وأريد البقاء بجانبك يا أبي» انتهى.
نقل لنا الزميل سمير عطا الله هذا الواقع الأليم بعد لقائه بالأب المحتار، وتساءل «لماذا وقع اللبناني العبقري في هذه الحفرة؟ هذا العاشق للحريات الذي ما إن يعبر حدود بلاده حتى يحمل مصباح علاء الدين، يوزع النجاحات يمينا ويسارا مثلما ينثر الأرز في الأعراس، لماذا أصبح يرمي الدمن والقاذورات؟» انتهى.
هذه التساؤلات مطروحة أيضا في الكويت، فالديموقراطية تعني تحقيق منجزات جميلة، أبرزها:
تحقيق الاستقرار السياسي من خلال تبديل الإدارة الحكومية بغير تغيير الأسس القانونية للنظام السياسي، ما يؤدي الى طمأنة المواطنين على مستقبلهم، وهو البديل المناسب عن التغيير باستخدام العنف، فهل هذا ما تحقق في لبنان والكويت؟ ولماذا ابتعد التطبيق عن أصل هذه الفكرة النبيلة؟
بحسب الإحصاءات فإن هناك علاقة تبادلية بين ازدياد الديموقراطية وارتفاع معدلات إجمالي الناتج القومي للفرد وانخفاض معدلات الفقر، وما يحدث في لبنان هو ازدياد معدلات الهجرة بسبب غياب البيئة الملائمة لاستقطاب الأعمال التي تحولت إلى دول مجاورة كالأردن وغيرها، الشيء نفسه يقال عن الكويت، هل هذه مسؤولية المبدأ أم التطبيق السيئ له؟
يؤدي التطبيق السليم للديموقراطية الى تأسيس قيم مشتركة بين أفراد الشعب تنمي فيه الوحدة الثقافية وتقلل التنافر بين الدول متعددة القوميات من خلال إتاحة الفرصة للجماهير للمشاركة في صنع القرارات، هذا عن المبدأ، الواقع يقول ان روسيا «بتطبيقها السيئ» للديموقراطية قد خسرت ذلك كله واندلعت فيها حروب عرقية في الشيشان والقوقاز وجورجيا المتاخمة لحدودها، الشيء نفسه حدث في لبنان عبر حرب الـ 17 عاما التي لا تزال مستمرة داخل القلوب، حتى إن توقف إطلاق النار.
التغيير المتسارع للقوانين هو من نتاج التطبيق السيئ للديموقراطية، وهو ما يؤدي إلى إضعاف درجة الالتزام بها لضعف الثقة في استمراريتها.
التفكير الجماعي قصير المدى هو صفة ملاصقة للتطبيق السيئ، والسبب هو ضغط السياسيين لتحقيق مكاسب سريعة على حساب المستقبل، وبالذات قبيل أي انتخابات على نحو ما نراه في معظم التطبيقات في الشرق والغرب.
كلفة الحملات الانتخابية تفتح الباب واسعا لفساد الذمم، فهذه الفواتير مستحقة السداد بعد الانتخابات، بصور متعددة!
إنها وقفة مستحقة بين تجربتين مثيرتين في لبنان والكويت، تتشابهان بشكل غريب، ومن اللازم الإفادة من النجاحات والإخفاقات، ما أمكن.
كلمة أخيرة:
مما خطب به عمر ( رضي الله عنه ) بعد توليه الخلافة: «... أيها الناس، إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم، لكم، وأقواكم عليكم ما توليت ذلك منكم، ولكفى عمر مهماً محزناً انتظار الحساب، فربي المستعان».