فيصل الزامل
قال وزير الداخلية أثناء الاستجواب: «أرجو ألا تخلطوا بين السياسة والفن» ثم استدرك: «أقصد لا تخلطوا بين السياسة والعمل الأمني»، هذه لم تكن زلة لسان، بدليل قوله لاحقا «أنا ما أعرف أمثل، هذه هي معلوماتي أضعها بين أيديكم»، انها رسالة للمواطنين وليس للنواب فقط، فالمناصب ليست دائمة لا لوزير الداخلية ولا للنائب البراك، والأهم هو الممارسة السياسية المحترمة، يجب ألا يتحول البرلمان الى مسرح نجيب الريحاني، أو أي مسرح آخر، حتى أصبح تقييم الأداء البرلماني يتم بأسلوب النقاد المسرحيين «..وكانت تعابير وجه الوزير كذا والنائب كذا، ولوحظ أن الوزير يرفع صوته ويخفضه اذا وصل الى نقطة كذا، وابتسم النائب عندما وجه اليه الوزير الحديث مع نظرة كذا، ولوح النائب بيديه على طريقته الشهيرة، مثل يوسف وهبي وهو يقول: يا للهول».. ما هذا؟
ومرة أخرى تكررت طريقة «الحكم قبل المداولة، لا بعدها» من جهة الاتفاق المسبق على طرح الثقة، بدليل أن 8 من الموقعين عليه هم ممن حصلوا على الكرسي بالانتخابات الفرعية استباقا منهم للإجراءات الدستورية للطعن في عضوياتهم، ما يجعل دخول النائب أحمد السعدون معهم اقرارا منه بالالتفاف على الدستور الذي حدد عبر القانون «مكان الانتخاب وموعده»، وقد علق أكثر من محلل سياسي على خفة مادة الاستجواب، التي لم تمس «جوهر» المسألة الأمنية، سواء تجاه التحدي الخارجي ومدى الجاهزية لمواجهة أي طارئ أو موضوع التقاعد المبكر الذي فرّغ الوزارة من خيرة الكفاءات وخطتها لتعويض تلك الخسارة، لم يتطرق الاستجواب الى وضعية السجون وما نشر عن اختراقات أمنية فيها، ولا اكترث المستجوب بما استجد حول التعامل مع الغلو والتطرف سواء عبر سجن متخصص أو بقية وسائل معالجة التطرف بأنواعه.
لقد كانت هشاشة مادة الاستجواب محل استغراب الناس، لسهولة معالجة ما ورد فيه.
«يا سادة يا كرام» نحن في محكمة سياسية، وأمامنا طرف صرح عن نيته النيل من طرف آخر وتوعده علانية وذلك مباشرة بعد تصدي الدولة للانتخابات الفرعية، بل أقسم على الإقدام على هذا الفعل، ما يؤكد العلاقة بين الباعث والفعل، ويؤكد صفة الغرض الخاص وراء تصرفه، وهو في موقع «النائب عن الأمة في ممارستها السلطة من خلاله»، وتوجيهه تلك السلطة لمعاقبة القائم على تنفيذ قانون أصدرته الهيئة التشريعية وصادق عليه صاحب السمو الأمير وأصبح واجب النفاذ، وتكون المحاسبة مطلوبة على التقصير في تنفيذه وليس العكس! (انتهى كلام النيابة الشعبية).
«محكمة».. «بعد الديباجة، ان استخدام أداة الاستجواب من قبل النائب لتعطيل تنفيذ القانون، والاعلان المسبق عن الغرض الحقيقي للاستجواب، يضفي عليه طابع الترصد والكيدية، وهو أمر «مخل باليمين المغلظة» لاحترام الدستور وقوانين الدولة بالنسبة للمستجوب، ما يستوجب المساءلة من قبل الرأي العام، وهو أيضا «ماس بالأمانة» من جانب نواب ربطوا موقفهم من الاستجواب بالمنافع التي يصلون اليها، سواء كانت مادية أو بالتصويت في اللجان وغيرها، وهذا من قبيل التكسب الشخصي غير المشروع، ما يستوجب أيضا النظر في هذا الخلل المسيء للممارسة الديموقراطية، واتخاذ ما يلزم لإبطاله ومحاسبة من يقدم على هذا الفعل الذي تكرر كثيرا، غير أن تكراره لا يمنحه مشروعية من أي نوع كانت، (رفعت الجلسة)»، من قبل الرأي العام، الذي يهتف بصوت هادر «محكمة».
كلمة أخيرة:
عارضت هدى شعراوي النظام الملكي في مصر طوال حياتها، ومع ذلك لجأت في يوم الأربعاء 6 فبراير عام 1957 الى السفارة الهندية في القاهرة عندما اكتشفت الحقيقة المروعة القادمة، وأعلنت من هناك «..الاضراب عن الطعام حتى الموت أو انهاء الحكم الديكتاتوري الذي يسير ببلادنا الى الافلاس»، فشلت، وأفلست مصر اقتصاديا ـ كما توقعت ـ وهزم العرب عسكريا ونفسيا، ولم يتعظ من تلك التجربة المدمرة بعض مقلديها!