قال: «كان لي صديق في موقع مسؤولية رفيعة، اضطر إلى الاستقالة بعد أن انهالت عليه ضغوط الهجمات الظالمة في أجوائنا السياسية الملبدة بالكويت، فترك الوظيفة وانتقل من الكويت للعيش في مصر بصفة نهائية، ثم بعد 5 سنوات اتصلت به لأبشره بصدور حكم نهائي ببراءته مما نسب إليه، فقال بمرارة شديدة: ماذا أصنع به؟ 5 سنوات من الذل والمهانة في الكويت، والغربة وتشتت الأسرة، لن ينفعني هذا في شيء، بل إن نشر حكم البراءة سيزيد مواجعي لأن الناس لهم الظاهر وسيذكرهم النشر بتلك الإهانات القاسية فتلوك الألسنة سمعتي من جديد، اتركني في حالي، وانتوا الله يعينكم على حالكم» انتهى.
الملاحظ في هذا الأسلوب الذي عرف به أحد النواب هو الانتقال من موضوع النقاش ـ عندما لا يخضع له مسؤول ما ـ والاتجاه إلى سمعته الشخصية على طريقة «والله راح أشهر فيك، وفي أهلك، وفي اليوم اللي انولدت فيه، وإلا تخضع» قد تقال لفظا، أو فهما.. وبالطبع الشرفاء لا يخضعون ولهذا تتم تصفيتهم معنويا، كما حدث مع هذا المسكين، وهو ظلم لا يجوز السكوت عنه، ظلم لم تقبل به قريش وهي كافرة، يوم أن طغى العاص بن وائل على رجل جاء من خارج مكة من بني زبيد، فلما لم يجد له ناصرا صعد على جبل أبي قبيس ونادى بأعلى صوته:
-
يا آل فهر لمظلوم بضاعتـه.. ببطن مكة نائي الـدار والنفـر
-
إن الحرام لمن تمت حرامتـه.. ولا حرام لثوب الفـاجر الغـدر
فتداعى الشرفاء من أهل مكة في دار عبدالله بن جدعان وتحالفوا على أن يكونوا يدا على الظالم حتى يردوا للمظلوم حقه، وانتزعوا من العاص بضاعة ذلك الرجل ودفعوها إليه، بينما نحن في الكويت نجد أناسا من أمثال هذا الذي غادر وطنه مقهورا، و صدر حكم ببراءته بعد 5 سنوات بعد أن قتل ـ خلال تلك السنين ـ معنويا وماديا واجتماعيا ولم ينفعه حكم البراءة في شيء.
إن هذا وغيره من المظلومين كانوا يدافعون عن مصالح الوطن كل الوطن، ومن الضعف فينا أن نتركهم يدفعون الثمن وحدهم، بينما نستفيد نحن من كفاحهم وإذا عجزوا فبسبب قلة الناصر وغفلة المسؤول، أو تغافله، وبالنسبة لي شخصيا فليس أحب إلي من نصرة المظلوم، بالكتابة والاتصال الهاتفي، وأحمد الله أنني أفعل ذلك مع أشخاص لا صلة لي بهم سوى الصالح العام، وإنما أشرت إلى ذلك الآن حتى يفعل كل منا شيئا بحق من أخلص لله ثم لوطنه، ولم يغلب الهوى والمنفعة الشخصية على مصالح الناس، بالعدل والإنصاف.
نعم، إننا إذا تركنا الشرفاء يعانون وحدهم فإننا نطبق مقولة «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، وبالعكس إذا تركنا السلبية وسارعنا لنجدة المظلوم، فإنه سيخدم وطنه بهمة ونشاط متجدد، لأنه يشعر بالعزة بدلا من الذل والمهانة التي يعاني منها العشرات في عصر آن له أن ينتهي.
كلمة أخيرة:
زرت قصر حكم الدولة العثمانية في اسطنبول «توب كابي» الذي اشتق اسمه «الباب العالي» من ارتفاع بوابة المدخل بشكل كبير جدا، قرأت نداء مؤثرا منقوشا بأحرف عربية كبيرة على مدخله الضخم..
- «يا ولي كل مظلوم»..
- .. فسالت دمعة.