في عام 1966 تحولت الأمطار في الكويت إلى سيول في بعض المناطق، ومنها منطقة المسيلة وأذكر أن المياه قد جرفت في تلك المنطقة سيارتين دفعتهما من شارع الفحيحيل إلى عرض البحر، وعندما تمّ تخطيط المناطق السكنية الحديثة الحالية هناك تمّ أخذ مجرى السيول في الاعتبار بتمريرها تحت الطرق السريعة الحديثة عبر مجرور ضخم يمر تحت كل منطقة ليصرف مياه السيول باتجاه البحر، هذا الانجاز لم تحظ به مع الأسف مدينة جدة، وهي من أجمل مدن الجزيرة العربية، إلا أن إغفال هذا الأمر تسبب في كارثة آلمتني وتسببت في مقتل 138 شخصا وتشريد المئات من الأسر، وتلفيات في الممتلكات، ما دعا خادم الحرمين إلى توجيه التعليمات بفتح تحقيقات واسعة في المخالفات التي تسببت في تعميق تلك المأساة عبر تجاهل التقارير المختصة وإنشاء مناطق سكنية في الأودية بغير اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
لقد تسبب ضعف شبكة تصريف الأمطار في مدينة جدة وعدم توافر فتحات في الشوارع تمتص تلك المياه في تحول المدينة إلى بحيرة ضخمة قبيل يوم عيد الأضحى الماضي، وتكرار المشاكل مع كل هطول للأمطار، رغم أن هذه السيول معروفة منذ زمن طويل في مدينة جدة، وقد سمعت من أصدقائي هناك عن مسير تلك المياه لمئات الكيلومترات قبل 40 عاما واقتحامها المدينة، فالأمر ليس بجديد، ما يجعل غياب شبكة تصريف الأمطار في الشوارع أمرا لا يتناسب مع النهضة الشاملة التي شهدتها مدن المملكة في العقود الثلاثة الماضية، ويمكن تفهم حجم الطلب على مشاريع البنية التحتية في بلد شاسع المساحات، وليس بحجم بقية دول المنطقة، ما تسبب في الضغط على مشاريع استحقت دفعة واحدة في السبعينيات والثمانينيات، كما قال الأمير سلمان بن عبدالعزيز قبل خمس سنوات في ندوة عن هذا الموضوع: «بدأنا بناء المدن، وصار كل شيء مطلوبا وكل شيء له نفس الأولوية، الطرق، المستشفيات، المساكن، المدارس، المباني، الحكومية، المطارات، طرق بآلاف الكيلومترات، في هذا الازدحام العمراني لابد أن تحدث أخطاء».
هذا صحيح، وقد تسببت أمطار جدة في انزعاج شديد لدى قيادة المملكة، نقلها سمو ولي العهد الأمير سلطان قائلا: «لن يهدأ بال خادم الحرمين الشريفين ونحن معه حتى نعالج الأسباب التي أدت إلى ما حدث في مدينة جدة، بإذن الله».. وقد أصابني من الانزعاج شيء مماثل في آخر زيارة لي إلى هذه المدينة، كنت أنظر من الطائرة قبل هبوطها وأتفحص البحيرات هنا وهناك في قلق شديد على المدينة وأهلها، صحيح أن الأمر ليس مدمرا رغم حجم الخسائر البشرية والمادية، إلا أن سبب الانزعاج هو الأسباب التي كان ممكنا تفاديها، وذلك بالسماح للسيول بأخذ طريقها الى البحر عبر عدة وسائل، بل حتى قنوات المياه الجوفية التي تهبط الى باطن الأرض، والتي تسبب دفن أطراف المدينة لتوسعتها في السبعينيات في إغلاق تلك الممرات، فانحبست مياه كثيرة، وصارت الأرض السبخة هي المشهد السائد في المدينة بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية.
إنها مادة دراسية للمتخصصين في هذه الأمور من مهندسي تخطيط مدن وخبراء مياه وبيئة ودفاع مدني، وغيرهم.
إلى مدينة جدة، وأهلها الكرام «خطاكم السوء.. إن شاء الله».
كلمة أخيرة:
نتمنى أن تتخلص جدة من «بحيرة المسك» وهي تجمع كبير لمياه الصرف الصحي في منطقة مكشوفة خارج جدة، حيث تنجح محطات معالجة مياه الصرف في المدن الحديثة في تحويل تلك المياه إلى مصدر نافع للزراعة والخدمات، ولا ترمى حتى في البحر، وذلك أفضل من أن تترك متجمعة بشكل يهدد البيئة، والأمن السكاني.