تشابكت بعض الحوادث في تاريخ الكويت عام 1938 ما يتطلب وقفة لفرز بعضها من بعض، وإنما أطرح هذا الموضوع اليوم لوجود بقية من الجيل المعاصر لذلك الحدث أو ممن سمع به، وقد يصحح لي أحدهم مشكورا إن كنت مخطئا، فقد تزامن تأسيس المجلس التشريعي في 29 يونيو 1938مع أعمال التنقيب عن النفط الذي تولته شركة النفط الانجليزية الفارسية بالاشتراك مع «جلف اويل» عام1934، حيث تم اكتشاف وجود كميات تجارية من النفط في فبراير 1938 في حقل بحرة شمالا، ودخل الشيخ أحمد الجابر في مفاوضات مكثفة مع الإنجليز حيث طالب الشيخ بزيادة سعر البرميل، وكان المقيم السياسي البريطاني النقيب ديجوري حريصا على إخضاع الجانب الكويتي بمختلف الطرق، من بينها استغلاله للتوتر في الوضع السياسي المحلي الذي تزامن في التوقيت مع تلك المفاوضات، وبلغ من ديجوري الاندفاع أن بث برقية تحريضية مزورة عبر إذاعة قصر الزهور بالعراق الواقع تحت الإدارة الانجليزية المباشرة، وقد أعلن خالد العدساني أن تلك البرقية قد نسبت إليه زورا وبهتانا وراجع مكتب البريد الذي أرسلها لمعرفة المرسل فلم يحظ بجواب، ولم تكن تلك البرقية لتبث حتى لو كانت حقيقية لولا رغبة الانجليز في استخدامها للضغط لصالح تلك المفاوضات، وقد سمعت أيضا من أحد المعاصرين أن بيانات تحريضية كانت تطبع في مكتب القنصل ديجوري ويوزعها موظف إيراني بالليل، سعيا وراء التشويش على مجهود وطني صادق سعى إلى الانتقال إلى مرحلة عصرية تدار معها البلاد عبر إنشاء دائرة مختصة للصحة والتعليم..الخ، وموضوعنا اليوم ليس تلك النوايا الصادقة ولا التضحيات التي قدمتها تلك الكوكبة، ولكن فرز تأثير مفاوضات النفط من مساعي الإصلاح السياسي.
حادثة أخرى تزامنت مع تلك المرحلة، كانت بدايتها بسيطة ولكنها تحولت إلى مأساوية بسبب التداخل، حيث كثرت الشكاوى من استخدام بعض سيارات الأجرة من قبل أفراد يخرج أحدهم مع امرأة لممارسة البغاء في الصحراء، يتركهما السائق على سجادة وأثاث بسيط لساعة أو ساعتين ثم يعود بهما وقد حصل على أجرة تساوي عمل يومين بالطريقة العادية، أدت كثرة تلك الحوادث وشكاوى الأهالي منها إلى صدور قرار بمنع عبور سيارات الأجرة من بوابات السور بعد غروب الشمس، الأمر الذي أثار حفيظة هؤلاء فتجمهروا وتعالت أصواتهم، وصادف ذلك عودة بعض المتحمسين للمجلس التشريعي من البصرة فقاموا بمسيرة بتلك السيارات، وموتوسيكل، وهتفوا بعبارات تحريضية أعطت احتجاج سائقي الأجرة طابعا لم يقصدوه، ما أدى إلى تحرك قوة من رجال الأمن لمواجهة تلك المظاهرة، وكان الصدام المؤسف الذي ترك بصمة دامية على تاريخ الكويت.
الهدف من فرز تلك الحوادث والمداخلات هو زيادة درجة اليقظة، فالنوايا الطيبة ليست كافية بوجود أصحاب مكيدة، من أمثال ديجوري، وأصحاب قضية معينة تنحرف إلى شيء آخر، كما حدث مع أصحاب سيارات الأجرة في تلك الأيام، حيث حدثت أمور لم يرغب في وقوعها الوطنيون الذين قادوا تحركا للإصلاح السياسي، ولكن قفز الى العربة من حول مسارها إلى ما لم يدر بحسبان أحد منهم.
كلمة أخيرة: الحوادث المشار اليها أعلاه من التاريخ المروي الذي يقول عنه د.مصطفى أبو حاكمة «.. والتاريخ المروي لا يقل أهمية عن التاريخ المكتوب» ففي تلك الفترة كانت الوثائق البريطانية هي السجل الدقيق واليومي شبه الوحيد للتأريخ المحلي، ولا يمكن لتلك الوثائق أن تسجل إدانة للمقيم السياسي البريطاني، ومثل ذلك يقال عن حادثة سيارات الأجرة التي لا يحبذ بعض الناس الكلام عنها، يبقى أنه بوسع من لم يسمع بهذه أو تلك أن ينفي علمه بها، ولا يعني ذلك بالضرورة نفيها، ففي الأمثال «قد علمت شيئا، ولكن غابت عنك أشياء».
[email protected]