ضحايا الأزمة الاقتصادية في السوق المحلي نوعان، الأول مضارب والثاني تشغيلي، الفرق بينهما أن الأول يعتمد على ما يسميه «حركة سوق العقار والأسهم»، و«حركة» هنا تعني ضخ سيولة من الدولة وتجاوب البنوك مع أحداث أجواء تغري بالتوسع في المضاربة، «بيعني وأبيعك» وكل منهما يردد «فلان عطوه خمسمائة ألف ما باع» وفي الغالب الذي أعطاه هو زميله في دنيا المضاربة، فإذا انزلق من هم خارج تلك الدائرة قام هؤلاء بحذف عقارات مضخمة الأسعار على ظهر هذا المسكين، وسيلوا، هذه الممارسة تحدث في سوق الأسهم والعقار، وقد قرأنا منذ أسبوعين فقط عن حركة تسييل لسهم تم اصطناع (......) سعر له، وهذه المرة جاءت الضربة من بين اللاعبين أنفسهم لبعضهم البعض.
هذا عن النوع الأول، أما النوع الثاني «التشغيلي» فهو ممن يراكض بين البلدية والتجارة وجميع تلك المسميات ليقيم نشاطا يفيد الناس، سواء في سوق التجزئة أو إقامة المشاريع، الفارق بين النوعين ليس في درجة منفعة المجتمع من هذا وذاك، فهذا أمر واضح، ولكن النوع الأول إذا خسر ملأ الدنيا صراخا وهو الأكثر ضررا على المجتمع، بينما الثاني يلوذ بالصمت، يلعق جروحه بهدوء، رغم أن اختفاءه ضار بالمجتمع سواء كمقاول شريف أو مقدم خدمة نافعة، لا أحد يهتم به رغم أنه الأنفع للناس، السبب أنه لا يتعامل مع الصفحات الاقتصادية كما يجب (......) ولا يجيد إشغال الرأي العام الحكومي وغير الحكومي مثلما يفعل النوع المضارب الذي شغل الجميع بخسائره الوهمية رغم أنه قبل دخوله في دنيا المضاربات كانت قدرته المالية والائتمانية قريبة من الصفر، ومع ذلك يردد بكل ثقة «خسرنا المليارات والحكومة نايمة».
ذات مرة التقى وزير المالية المكسيكي بالصحافيين في ذروة أزمة ديون بلاده تجاه الولايات المتحدة، سأله أحد الصحافيين: «كيف تستطيع أن تنام مع كل هذه الديون على المكسيك؟!» أجاب قائلا: «لا تقلق علي، نومي أحسن من نومك، الذي لا يستطيع النوم فعلا هو وزير مالية الولايات المتحدة» وهو بهذا الرد يؤكد المقولة التي يعرفها المصرفيون «اذا كان حجم دين المدين لدى البنك ألف دينار فهو تحت رحمة البنك وإذا كان حجم الدين عشرة ملايين دينار فالبنك تحت رحمة المدين» وبالطبع النوع التشغيلي هو من يكون تحت رحمة البنوك، بينما النوع المضاربي الذي يقترض بالملايين، تكون البنوك واقتصاد الدولة كله تحت رحمته، لهذا يتحدثون مع الدولة بهذه الثقة، بينما النوع التشغيلي مضطهد، رغم أن دينه بسيط، ولهذا السبب لا يهتم أحد بترتيب المسألة المالية لهؤلاء من أجل استمرار الأنشطة التشغيلية التي تحقق استمراريتها وجود عميل مستمر يتعامل معه البنك، وقديما قيل «قليل مستمر خير من كثير منقطع».
هذه ليست مسؤولية البنوك وحدها، فالتراخيص والمعوقات الإدارية يجب أن تتحول الى الاتجاه الداعم للأعمال التشغيلية المنتجة التي تفتح فرص عمل للشباب وتقدم خدمات نافعة، مثل ذلك يقال عن منح القسائم الصناعية التي تحتاجها مشروعات متوسطة الحجم، أعرف كثيرا منها شبه مشلول بينما القسائم في يد غير أرباب المهن التشغيلية، بعضهن ربات بيوت وصلت إليهن بطرق غير سليمة بتأثير نظامنا الانتخابي المعروف، فخسر الجميع الخدمات النافعة بسبب الفساد.
كلمة أخيرة: لابد أن يتحقق الحزم الذي رأيناه في «إزالة التعديات» في مواجهة الاستحواذ على قسائم صناعية وأن يتم سحب من ثبت حصوله عليها بغير وجه حق، هيئة الزراعة تسحب القسائم المخالفة وتلك المستغلة بشكل مخالف لشروط العقد، لِمَ لا يحدث ذلك مع القسائم الصناعية؟!
[email protected]