في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يذكر كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن إنا نحب حديثك ونشتهيه ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم، فقال: ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهية أن أملكم «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة، مخافة السآمة علينا»، هذا خير الخلق ومعلم البشرية صلى الله عليه وسلم، يخاف الملل على أصحابه من التذكير والموعظة وهو الذي جمع الفصاحة وحسن الحديث، ونحن اليوم مع هذا التطور في الاتصالات نجد الوعظ والواعظ في كل وقت وحين، منذ أن يصبح المرء تأتيه الرسائل عبر الهاتف، واذا دخل احدى وسائل التواصل، أو فتح التلفاز والمذياع، وجد الوعظ والواعظ، حتى في القنوات غير الدينية، شريط الرسائل أسفل الشاشة تجد من يعظ !! حتى اعتاد الناس الوعظ، ولم يعد يؤثر بهم، لأنهم ملوا، وإذا ملوا لم ينتبهوا ولم يعد لهذه الموعظة فائدة، لذلك كان صلى الله عليه وسلم يباعد في موعظة أصحابه، فإذا وعظهم انصرفت قلوبهم وعقولهم لما يقول فانتفعوا بها منفعة عظيمة، وهذه الطريقة النبوية في التعليم أخذها أصحابه وعلموها أصحابهم، فالذي يريد أن يذكر الناس ويعظهم ينبغي له أن يراعي أوقات الناس وأحوالهم، فليس كل وقت يصلح للتذكير، وليس الوعظ يكون في كل وقت وحين، لذلك تجد الواعظين بعضهم يغضب من عدم اقبال الناس عليه، او عدم انتفاعهم بموعظته، ويلقي باللوم عليهم..!! لا يا أخي الكريم هون على نفسك، فأنت اذا وعظت الناس حال اجتماعهم في المناسبات أو في الاستراحات أو في المخيمات، حال انبساطهم، فمن الطبيعي الا تجد منصتا حاضر القلب الا من رحم الله، جاء في صحيح البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما أوصى تلميذه عكرمة رحمه الله فقال له: حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أكثرت مرتين، فإن أكثرت فثلاث، ولا تمل الناس من هذا القرآن، ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول وهو على المنبر: أيها الناس لا تُبغّضوا الله إلى عباده، فقيل كيف ذلك أصلحك الله؟ قال: يجلس أحدكم قاصا (أي واعظا) فيطول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه.
قال الزهري: «نقل الصخر أيسر من تكرير الحديث».
فأربعوا على أنفسكم أيها الناس، اجعلوا الوعظ والتذكير بين فترة وفترة، فهذه هي الطريقة النبوية، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، والله أعلى وأعلم.
[email protected]