فايز النشوان
علمتني الحياة ان الرجال معادن وأن قيمة الرجل تكمن في أخلاقه وفي تعامله مع الناس وان مستوى قياس هذه القيمة مرتبط بمدى ارتباط الرجل بقيم دينه ومكارم الأخلاق والفضائل، فالكذب والجبن والبخل ليست من شيم الرجال أبدا ولا يمكن أن يكون صاحبها رجلا في أي حال من الأحوال، فهناك فرق بين جنس الذكر العضوي ومعنى الرجولة المعنوي المرتبط بالسلوك فليس كل ذكر رجلا، والكذب ليس ملح الرجال كما يدعي البعض، بل الصدق الذي ينجي صاحبه دائما في كل موقف وحين ويزكيه عن بقية الناس، هو رمز الرجل والذي يرفع قيمته بينهم، فمازال الرجل يصدق ثم يصدق ثم يصدق حتى يسمى عند الله صديقا كما أخبرنا خير البشر عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وقد عشت حياتي أبحث عن مجسم أجد فيه معاني الرجولة التي نقرأ عنها في كتب التاريخ ونسمع عنها في حكايات السمر، ولأنني عشت يتيم الأب منذ طفولتي لم أتشبع بإعجابي بوالدي رحمه الله الذي كان ومازال رمزا لي ولاخوتي تعمقت في البحث بين الرجال لعلي أجد ضالتي في مجسم للرجولة التي نفتقدها هذه الأيام ونحتاج إليها، تلك الرجولة التي ترسخ معاني الشيمة والقيمة في الكلم والمعنى فتكون له جزالة الطرح وكفاية في المسألة.
والله ما وجدت رجلا يمتلك من صفات الكرم أولا، ولا الصدق ثانيا، ولا الإقدام ثالثا مثل اللواء المتقاعد البطل فهد بن عثمان السعيد الذي لو نطقت ساحات معسكر الصمود في الحرس الوطني لصرخت بحرقة المشتاق وأخبرتنا عن بطولات هذا الرجل في يوم انهار فيه البعض وارتعدت فيه فرائس الأبطال وقذفت فيه الرتب وتساوى الجندي بالقائد، بلا شك هو يوم الثاني من أغسطس حين احتلتنا قوات البرابرة الآتية من الشمال فكان فهدا على اسمه يصول ويجول في ميدان القتال حتى رزقه الله بشرف المقاومة على أرض بلده التي أسسها أجداده الكويتيون العرب الأقحاح حتى سطر لنا درسا في حب الوطن والذود عنه بالروح والنفس والغالي والنفيس.
عاشرته عن قرب وكنت أتلمس فيه التواضع الكبير للمحتاج والمسكين والشدة القاسية للمخطئ والمتكبر، وجدت فيه كرما لو وزع على أهل الكويت لكفاهم، هو امرؤ لا يرد من يطلبه في شيء يقتدر عليه، ولا يقول إلا الصدق في معرض حديثه ولا يكون منه إلا الخير في حله وترحاله، فهو صوام قوام ضارب لكل رذيلة، آت لكل فضيلة بحسب ما تجود به ظروف الزمان والمكان، تعلمت منه الوفاء والصدع بالحق مهما كانت العواقب، علمني ان الحياة قصيرة يجب الا أعيشها إلا رافع الرأس، وان السارق لو اعتلى بنيانه فهو بين الناس وعند الله سارق لن يهنأ في حياته وإن طالت، وان الكرم من صفات الأنبياء فسعيد من تشبه بهم وشقي من فاتته لذة الكرم، وإن الكريم يكرم ويجود حتى إن قل ما عنده.
أكتب هذه الكلمات في حق هذا الرجل وهو لا يحتاج مني تزكية فمثلي لا يزكي مثله، فما أنا إلا قطرة في بحر فهد السعيد، ومسيرته كالشمس لا يستطيع أن يحجبها أحد، لكني وددت أن أذكر من يقول ان أرحام النساء قد توقفت عن ولادة الرجال بأنه مخطئ وأن الدنيا مازالت بخير وأن الحياة وإن طغت عليها المادة وأصبحت المصالح تطغى على العلاقات بين البشر إلا ان رجالا مازالوا يعيشون بيننا يوسمون بمكارم الأخلاق ومعاني الرجولة التي مسحتها حياة المدينة وسحقتها ظروف الزمان وفي النهاية لا أجد وصفا لفهد بن عثمان السعيد إلا أنه رجل بأمة.