يقف التاريخ حائرا وجلا عريانا جائعا مرتجف الأطراف يتوارى عن الأنظار خجلا من ظلم الإنسان وغدر الاخوان وفقدان الأمان، دموعه تنهمر وتسيل كما الأنهار حزنا على مآذن خرساء ومساجد جرداء وجثث غرقى في برك الدماء، ومبان تنهار وتتساقط على سكانها كسقوط لعب الأطفال لتمزق الأشلاء وتقطع الأوصال، أطفال تجري هنا وهناك فزعة تستنجد تريد الخلاص، وأمهات ثكلى تحفر تحت الركام بحثا عن الأطفال الرضع والعجائز الركع وفلذات الأكباد، وها هم الآباء المكلومون والشباب المقهورون شلت أيديهم وقيدت عزائمهم يتجرعون قهر الرجال تحت عويل المدافع وزئير البنادق، وحتى الشيوخ والعجائز لم يسلموا من القصف والدمار.
انها حرب تصفية بمعنى الكلمة لأهل السنة والجماعة هناك، بدءا بالعلماء مرورا بأهل المساجد وانتهاء بالمدنيين، ومن المؤلم أن نكون في القرن الحادي والعشرين وفي وسط هذا الزخم من التطور البشري والتقدم الإنساني إلا أنه لاتزال أذرع الظلم تبطش هنا وهناك تحرق الأخضر واليابس وتطمس كل معالم الحضارات، وتتفنن في نحر الأطفال واغتصاب النساء وتجويع الرجال وترويع الآمنين من السكان.
أي عبارات تتحمل ما تشاهد وتسمع ما يحدث على أرض الشام، بل أي تاريخ يقبل بأن تطوى بين صفحاته مثل هذه الخزايا والجرائم، ومن المحزن أن تنتهك الإنسانية وتنحر البشرية على أراضي حلب الأبية، حيث البراميل العمياء والصواريخ الصماء تدمر المستشفيات والمساجد والمنازل، وتمطر الأحياء بسيل من رصاص الغدر لا تفرق فيه بين مدني وعسكري ولا شجر ولا حجر ولا حيوان ولا إنسان، الكل هالك لا محالة، لتتحول مدينة الحضارة والتاريخ العريق في سويعات إلى مدينة أشباح، تنعق فيها غربان الإجرام لتبث سمومها في كل مكان وآلة الحرب تزمجر فتشعل نيرانها في كل معلم من معالم الحضارة ومشهد من مشاهد الحياة.
ومنذ 1400 عام والمآذن تصدح بالله أكبر والمساجد عامرة بالمصلين في حلب واليوم وبالتحديد يوم الجمعة 29/4/2016 علقت صلاة الجمعة ولأول مرة حفاظا على أرواح المصلين، ولأول مرة منذ 1400 عام تخرس المآذن وتغلق المساجد، وعلى هذا تعتبر مجزرة حلب خير شاهد على موت الضمير العالمي وتواطؤ القوى العظمى مع نظام بشار الغاشم، فها هو الدب الروسي ينصب نفسه الحكم والخصم فيقصف ويؤيد قتل الأبرياء وحرق معقل الإسلام حلب وغيرها من المدن السورية، والمبكي دما أن يقيم الروس حفلة أوركسترا في تدمر لصرف أنظار العالم عن جرائمهم النكراء في حلب، وحزب الشيطان الإيراني يدندن على محاربة الإرهاب وينحر الناس هناك كالخراف علاوة على ذلك تعذيب الرجال واغتصاب النساء وتشريد السكان، والعم سام الأميركي حدث ولا حرج يراقب بدم بارد ويقول: «فخار يكسر بعضه» كما يقول اخواننا الشاميون، وتراه يندد ويستنكر ويعقد المفاوضات والهدنة تلو الهدنة وحلب خارج الحسبة وما هذه المفاوضات إلا غطاء لذبح السوريين برعاية روسية إيرانية ومباركة أميركية.
لماذا العجلة في حل القضية السورية؟ يا من تدعون حقوق الإنسان وتنصبون أنفسكم حماة للحرية والإنسانية لماذا العجلة؟ دعوا طواغيت الشر وعباد المصالح والدولار يعيثون في الأرض فسادا يتفنون في تدمير سورية وتقسيمها ونهب خيراتها وتشريد سكانها وقتل أطفالها واغتصاب حرائرها وأسر رجالها، دعوها معلقة سنوات كأخواتها مثل القضية الفلسطينية والعراقية لماذا العجلة يا ترى؟ أقسم بالله العظيم لو كان ذاك الطفل الجريح روسيا أو تلك الفتاة المغتصبة أميركية وذاك الرجل المعذب صهيونيا وتلك الأحياء المحروقة أوروبية لقامت الدنيا ولم تقعد، لكن الدم السوري والمسلم رخيص في نظر أولئك الطغاة، لكن هيهات هيهات أن نسكت سنمضي قدما قلبا وقالبا في تحرير الشام، الكل يتحرك من خلال دائرته، ورغم عظم المأساة إلا أننا سنستمر بالجد والعمل والاجتهاد والعودة إلى محاضن الإسلام في الكتاب والسنة والتعلق بالله، ونشر روح الأمل والحماس والاستبشار بين الناس بأن النصر قادم لا محالة بإذن الله.
[email protected]
ebtisam_aloun@