تحتفل مملكة البحرين هذه الأيام بعيدها الوطني السادس والأربعين، والذكرى السابعة عشرة لتولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم، وبهذه المناسبة المجيدة يشرفني أن أرفع اسمى آيات التهاني والتبريكات الى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى وإلى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء الموقر وإلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى الأمين، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وإلى شعب مملكة البحرين العزيز.
استطاعت مملكة البحرين عبر تاريخ مسيرتها التنموية الطويلة قطع اشواط كبيرة لتعزيز الديموقراطية الحقة المنطلقة من روح الإنسان البحريني وعطائه الذي هو اساس نهضتها القديمة والحديثة، وواصلت تلك المسيرة من خلال الرؤية المستنيرة والفكر الثاقب لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، مجسدة في المشروع الاصلاحي وميثاق العمل الوطني اللذين شكلا اللبنة الأساسية لهذه المرحلة التي نعيشها اليوم ونواة للمرحلة المقبلة التي سنشهدها، وذلك بإطلاق العديد من المبادرات وسن التشريعات وإقرار القوانين بما يواكب المرحلة المفصلية من مسيرة البحرين التنموية ويضاف الى رصيد منجزاتها في مختلف المجالات الحيوية وعلى جميع الصعد بما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية.
وتعزيزا للمسيرة التنموية اختطت مملكة البحرين نهجها الاصلاحي المنبثق من روح القانون والدستور، وعملت على تحديث التشريعات والقوانين بما يواكب المسيرة الديموقراطية الحديثة، وعززت من صلاحيات السلطة التشريعية لممارسة دورها الرقابي على اكمل وجه، وفتحت جميع القنوات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ضمن مبدأ التعاون بين السلطتين وتعميق عمليتي البناء والتطوير، وهو ما تجلى من خلال تمرير وإقرار العديد من القوانين والتشريعات الداعمة لمسيرة التنمية.
كما شهدت العملية التنموية جهودا واضحة من قبل الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الامير خليفة بن سلمان
آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، والمتابعة الحثيثة من قبل اللجنة التنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
وقد أصبحت مملكة البحرين الآن مركزا عالميا رئيسيا للاجتماعات والحوارات والمؤتمرات المهمة المتعلقة بتحقيق السلام والوئام بين جميع الأديان والقضاء على الإرهاب والتطرف خاصة بين الشباب، حيث اكدت فعالية «هذه هي البحرين» التي انطلقت في سبتمبر الماضي في لوس انجيليس بولاية كاليفورنيا الاميركية تحت الرعاية السامية لجلالة الملك المفدى والتي تم خلالها «إعلان مملكة البحرين» و«مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي» اللذان يأتيان مكملين لكرسي جلالة الملك حمد للتعايش السلمي في جامعة «سابينزا» الإيطالية، الذي تم تدشينه في شهر نوفمبر من العام الماضي بهدف تشجيع البحث العلمي في مجال التعايش السلمي، حيث تفضل بإلقاء كلمة صاحب الجلالة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب رئيس مجلس أمناء المؤسسة الخيرية الملكية رئيس اللجنة الأولمبية إذ تحلت الكلمة بأسمى عبارات الحكمة والثراء التي تنم عن فكر جلالة الملك المستنير وفيها رسالة للعالم بان لمملكة البحرين ارثا زاخرا في قبول الآخر وكيانا حضاريا ذا تاريخ عريق ممتد عبر العصور، وقد تركت هذه الكلمة الأثر الكبير في قلوب ونفوس الحاضرين اتباع الرسالات السماوية ومختلف الثقافات وما لهذا من دلالات على ان فكر جلالة الملك المستنير يرتقي بالبحرين ويجدد ارثها الحضاري على ارضها الطيبة، بدءا من الحضارات القديمة التي تتوجها الحضارة الاسلامية وبالأخص ان البحرين استجابت لدعوة الحق في دخول الاسلام طوعا لا كرها، كما كان لمملكة البحرين في عهد جلالة الملك السبق على مستوى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط في إقامة العديد من المؤتمرات، حيث عقد مؤتمر للحوار الاسلامي - المسيحي عام 2002 ومؤتمر التقريب بين المذاهب الاسلامية في عام 2003 ومؤتمر حوارات الحضارات والثقافات عام 2014، الذي شمل الرسالات السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية والثقافات الهندوسية والبوذية.
وقد قامت المملكة بقيادة ربانها، حفظه الله ورعاه، بجهود كبيرة للنهوض بالإنسان البحريني الذي هو هدف التنمية وغايتها، حيث تغلبت فيها على محدودية المساحة والموارد لتجعل من هذا البلد الصغير نموذجا دوليا يشار إليه بالبنان وينال الاشادة من كل المنظمات الدولية.
وكان من أولويات المسيرة الوطنية الشاملة بقيادة جلالة الملك المفدى، حفظه الله ورعاه، النهوض بفئة الشباب فهم عماد الوطن، لذا سعى جلالته لرعاية الشباب وتنمية قدراتهم من ضمن استراتيجيات وخطط وطنية متكاملة ومنسقة، لذا حرص جلالته على اسناد مهمة رعاية الشباب وجيل المستقبل الى شخصية فريدة فذة تجسد تطلعات جلالته وطموح شباب البحرين، حيث عهد بذلك الى سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، مما يعكس الثقة في الطاقات الشبابية للإسهام في الجهود التنموية الشاملة وبناء مستقبل البحرين الذي يتطلع إليه.
وقد منحت مملكة البحرين في اجتماع مجلس الفيفا شرف تنظيم اجتماع الجمعية العمومية العادي السابع والستين للمنظمة الدولية عام 2017 مما يعزز مكتسبات كرة القدم الآسيوية، ويؤكد ريادتها على الساحة الدولية ويعطي دلالة اكيدة على ثقتهم الكبيرة بإمكانات البحرين وقدرتها على إنجاح هذا الحديث المتميز الذي سيحول المملكة الى محط انظار العالم وسيمنحها مكاسب متعددة تعزز موقعها على الصعيد الدولي.
وإذا كان الإنسان البحريني في رؤية جلالة الملك التنموية هو الركيزة الأساسية في هذه الرؤية كآلية وغاية، فإن المرأة البحرينية تمثل احد الأعمدة الرئيسية فيها ليس لأنها فقط نصف المجتمع ولكنها المصدر الأول لتنشئة هذا الإنسان، فمنذ تولي جلالة الملك المفدى دفة الحكم أعطى نصيبا كبيرا من اهتماماته لتعليم المرأة ورعايتها وتمكينها من فرص العمل في ظل مبدأ تكافؤ الفرص ومساندة المنظمات النسائية وإقرار القوانين التي تكفل للمرأة حقوقها، وما صدور الأمر الملكي بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة عام 2001، الذي يحظى برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة صاحب الجلالة الملك المفدى لهو اكبر دعم للمرأة في المجال المؤسسي.
وتعد مملكة البحرين من الدول الرائدة في تقنين حقوق الطفل وأهمية النهوض بشؤونه والاهتمام بقضاياه وحماية حقوقه والعمل على توفير الرعاية اللازمة له، حيث قامت بتأسيس المركز الوطني لحماية الطفل وانضمت المملكة لاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وما حصول د. امل سلمان الدوسري على عضوية لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة للفترة 2013-2017 الا انجاز للمرأة البحرينية.
وعلى الصعيد السياسي لمملكة البحرين ومواقفها الديبلوماسية لسياستها الخارجية سواء الإقليمي أو العربي أو الدولي، والتي التزمت بها قولا وفعلا منذ استقلالها عام 1971، وهي تقوم من واقع حرصها على الاستقرار واستتباب الأمن والسلام في منطقة الخليج والعالم العربي بدور نشط في ظل ظروف صعبة ومعقدة وفي ظل تحديات أمنية كبرى ومتغيرات إقليمية ودولية تتطلب الحركة وحسن المبادرة، فمملكة البحرين تؤكد دائما وقوفها مع القضايا العربية، وتقدم كل الدعم والمساندة لها، وتشارك في جميع الاجتماعات والمؤتمرات التي تعقد حول هذه القضايا سواء في إطار الجامعة العربية أو على المستوى الدولي، فعلى المستوى الدولي تحرص المملكة على دعم كل ما فيه رفعة للأمتين العربية والإسلامية وتشجيع وحدتها وتكاملها بما يحقق مصالح شعوبها، مبرزة أهمية التعاون بين الدول والشعوب في إطار الالتزام بأسس ومبادئ الشرعية الدولية باعتباره أساسا لعالم اكثر استقرارا ورفاهية وتنمية، متمسكة بضرورة تسوية جميع المنازعات الدولية بالطرق السلمية واحترام سيادة الدول الأخرى ومنع التدخل في شؤونها الداخلية، داعية الى السلام كهدف استراتيجي، الأمر الذي أكسبها مكانة مرموقة في ضوء التقدير الإقليمي والعالمي واسع النطاق للسياسة الحكيمة والعقلانية والمتوازنة التي يقودها جلالة الملك بحنكة وخبرة عالية.
وعلى المستوى الخليجي، يحرص صاحب الجلالة، حفظه الله، على تعزيز هذه المسيرة المباركة لتحقيق آمال وتطلعات أبناء دول المجلس نحو المزيد من التكامل والتعاون المشترك الذي ينشده الجميع بما يكفل الوصول الى الوحدة الخليجية التي يتطلع اليها أبناء وشعوب دول المجلس، نظرا لحجم التحديات والتطورات المتسارعة التي تواجه دول المنطقة في الفترة الراهنة، فإن مملكة البحرين تسعى الى وحدة الصف الخليجي والمزيد من التطور النوعي الكبير الذي ينتظره مواطنو دول المنطقة بأسرهم ويمضون قدما لتحقيقه أملا في بلوغ حلم الاتحاد والتكامل الشامل فيما بين دولهم وشعوبهم.
وأخيرا، يشرفني بهذه المناسبة ان أنوه بالعلاقات التاريخية المتجذرة التي تربط بين مملكة البحرين ودولة الكويت الشقيقة والتي تبلغ أزهى عصورها في عهد جلالة الملك المفدى وأخيه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت الشقيقة لأنها تجسد تاريخا طويلا من الأخوة وتحظى بجل اهتمامات جلالة الملك وأخيه صاحب السمو الأمير في استمراريتها وتنميتها، والتي تعتبر نموذجا يحتذى به في العلاقات حيث وصلت الى مرحلة أضحت كل المفردات السياسية عاجزة عن وصفها، وبالتعاون المشترك بين البلدين في جميع المجالات والأصعدة، مشيدا بما تقدمه الكويت من دعم ومساندة، وما يحققه هذا الدعم في التنمية الاقتصادية لمملكة البحرين، وهي تحرص دائما على تعزيز علاقاتها مع الكويت في ضوء ما يربط الشعبين الشقيقين والقيادتين الحكيمتين من صلات وثيقة، ولا يسعني في هذا المقام إلا ان أعبر عن أمنياتي الخالصة للكويت الشقيقة وشعبها الكريم بالتقدم والازدهار والأمن والأمان في ظل القيادة الرشيدة لباني نهضتها المعاصرة وقائد مسيرتها حضرة صاحب السمو الامير الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت الشقيقة وبمساندة سمو ولي عهده الأمين سمو الشيخ نواف الأحمد ورئيس وزرائه الموقر سمو الشيخ جابر المبارك، حفظهم الله جميعا وجعلهم ذخرا وسندا لكويت العز والفخار.