بقلم: الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة
سفير مملكة البحرين لدى الكويت
أبعث هذه الرسالة من بحرين الشموخ والمجد، الى كويت العز والمعالي، كميثاق محبة وعقد وفاء وتجديد للعهد، في هذه المناسبات الوطنية، ذكرى الاستقلال، وذكرى التحرير، وعيد جلوس قائدها ومنارتها المميزة بين العالم منذ نشأة ديبلوماسيتها على يد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذكرى الرابعة لتوليه مقاليد الحكم، انها مناسبات وأعياد وطنية بطعم مختلف هذا العام، علينا وعلى الشعب الكويتي أن نستلهم منها العبر ونتعلم معنى حب الوطن، ورائحة ترابه، وعليل هوائه، لنتوقف ونتأمل ماذا قدمنا للكويت؟ فما قدمته لنا نعجز عن احصائه، فلا قيمة للانسان بلا وطن.
كويت المجد
ان تاريخ الاوطان لا يقاس بسنينه، وانما بأحداثه وما قدمته الشعوب من تضحيات واسهامات في بناء وتشييد تاريخ الوطن المعاصر، وقبله تاريخ البناء والنمو، لنتذكر رجال الكويت الاوفياء المخلصين، ولنعلم اجيالنا الحاضرة لغة الكرامة والشرف والعطاء في حب الوطن، لنعلمهم التعايش السلمي واحترام تعاليم ديننا الحنيف في قدسية الاديان واحترام المذاهب، والتقارب الاجتماعي تحت سقف واحد وأرض واحدة، فالكويت منذ فجر التاريخ وهي تحتضن جميع مواطنيها بكل انتماءاتهم الدينية والاجتماعية تتعامل معهم سواسية كأسنان المشط، ولا تبخل عليهم بشيء، وعندما حانت لحظة نداء الوطن، وبغي عليها جارها ليغرس خنجره في خاصرتها هب كل الشعب لنصرتها، وأصر الجميع على التمسك بحكامها أسرة آل صباح وشرعيتها، بل عجز المحتل عن ان يجد مجرد مواطن كويتي واحد يقبل أن يخون وطنه وشرفه وأرضه وعرضه، لقد تنادى كل رجال الكويت واتفقوا تحت راية واحدة قلما ان يكون لها مثيل في التمسك بشرعية الوطن، في مؤتمر جدة الذي أسفر عن ملحمة عظيمة في حب الوطن أبهرت العالم بأسره، ليتأكد لكل باحث ومتابع ان الاطروحات السياسية بين الحكومة والتيارات السياسية ليست سوى ممارسات هدفها مصلحة الوطن من خلال نموذج عرفت به الكويت منذ وضع دستورها المغفور له سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله لتستمر المسيرة بعد ذلك في عهد من خلفه من حكام، لذا علينا التمسك بحب بعضنا البعض وتبديد كل المخاوف والهواجس التي تطفو بين الحين والآخر، وأقول لكم بكل صدق ومحبة أخوية استلهموا حكمة القائد وجسدوها في طاعة ولي الامر الذي لم يأل جهدا في سخائه وعطائه الزاخر لهذا الوطن، ولشعبه الاصيل، نعم لكل قوم تاريخهم، لكن على الجميع ان ينصهروا في بوتقة الوطن الواحد. هذه وقفة تأمل مع النفس حتى نتجاوز بعض المثالب ونستلهم منها العبر والمعاني لتعزيز وحدة الوطن وقدسية الانتماء له ولنتمثل بقول الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة المكرمة الى المدينة المنورة مخاطبا مكة موطنه وموطن آبائه وأجداده، «والله انك لأحب الديار الى الله والى نفسي ولولا ان أهلك اخرجوني ما خرجت»، ولنا في ذلك أسوة في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في محبة الوطن والانتماء له، وتنشئة الاجيال على لغة السلام والمحبة والاحترام المتبادل والتسامح، واحترام الصغير للكبير وعطف الكبير على الصغير، ولنرتقي الى تعاليم ربنا في كتابه الكريم من عبر وحكم، ولنكن على يقين من ان أي وطن لا يسمو الا من خلال مواطنيه، وهذه فرصة لنستلهم من معاني الاستقلال والتحرير بعض الرسائل في حب الوطن وكل ما عليه.
أيها الآباء علموا الابناء حكمة قادة وطنهم التي ارتقت بهم وبموطنهم الكويت وجعلت لكلمة الوطن وزنا في المحافل الدولية يفوق بعض الدول الكبرى، علموهم ان استقرار عملة الكويت منذ عدة عقود كانت وراءه حكومة رشيدة واقتصاد قوي ثابت، وان ذلك يحتاج منهم ايضا الى صون هذه النعمة والمحافظة عليها.
كويت المعالي
ان هذه المناسبات الوطنية العظيمة تستدعي استذكار الانجازات والبناء الذي تحقق منذ قيام الكويت الحديثة وتوالي حكام آل صباح على قيادة مسيرتها، ولعلنا نركز على باني الكويت الحديثة المغفور له سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه الذي وضع أعمدة الدولة الحديثة، وبنى نهضتها ومن بين خطواته الرائدة إنشاء التأمينات الاجتماعية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية وهيئة القصر، والهيئة العامة للاستثمارات وصندوق الاجيال القادمة، ولجنة استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، وغيرها من صروح، ولعلنا هنا نستذكر موقفه عندما اعتلى منصة الامم المتحدة ليعلن للعالم في وقت كان بلده فيه يقع تحت الاحتلال عن إسقاط جميع ديون الدول النامية في بادرة أبهرت العالم وأكدت مصداقية قضية وطنه الكويت.
ولم يعوض رحيل المغفور له سمو الشيخ جابر الأحمد الا مجيء اخيه وعضيده وشريك مسيرته صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي تسلم المهمة بعد دور كبير لسمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله صاحب البصمات الكبيرة في ازمة الغزو والتحرير وادارة مسيرة الوطن.
ان عهد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد رغم الفترة الوجيزة منذ تولي سموه سدة الحكم الا انه جاء حافلا بالعديد من الانجازات التي تؤكد حكمته وحنكته، ومن ابرز محطات حكمه الحافل والتي يتوجب ذكرها في هذه المناسبة دعوته ورعايته لمؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، وتبرع سموه لصالح صندوق المؤتمر بنصف مليار لدعم المجتمع العربي، ومشاركاته الدولية الانسانية بالتبرع للكثير من شعوب العالم وحكوماتها التي تعرضت لأزمات وكوارث طبيعية، ودعم سموه لكل خطوات تجفيف منابع الارهاب للقضاء عليه، ومحليا شهدت الكويت في عهده مسيرة حافلة من التنمية والبناء على جميع الأصعدة وتجسيد رائع لمعاني الأبوة والرعاية الجمة لشعب الكويت ومتابعته الحثيثة للعمل السياسي في البلاد والتي تؤكد حرصه على مصلحة الوطن، كما لا نغفل في هذه العجالة دور سموه في تدعيم مسيرة قمة مجلس التعاون الخليجي والتي عقدت دورتها مؤخرا في الكويت، وما أبداه سموه من مشاركات دؤوبة مع اخوانه قادة دول مجلس التعاون لتثبيت مسيرة المجلس وتحقيق طموحات ابناء الخليج وتطلعاتهم، ولعل ابرز تلك الخطوات اقرار العملة الخليجية الموحدة، ومشروع الربط الكهربائي، ومشروع السكة الحديد التي ستربط دول مجلس التعاون الخليجي.
كويت الأصالة
انها مناسبة عزيزة للمباركة بالذكرى الرابعة لتولي سمو الشيخ نواف الأحمد منصب ولاية العهد بعد ان حظي شخصه الكريم بتزكية من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ومبايعة كل الشعب الكويتي، وهذا يؤكد احقية سموه بهذا المنصب لما يتحلى به من كرم ونبل خلق وايمان بقدسية الوطن وأمانة في تحمل المسؤولية، وهي خصال لا يختلف عليها اثنان في الكويت وخارجها، ونتمنى لسموه كل التوفيق في القيام بمهام البلاد ومعاونة أخيه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في ادارة شؤون الوطن، كما لابد من التأكيد على الدور الرائد والشجاعة الفذة والحنكة والدراية والتسامح والكرم الذي يتحلى به سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الذي استطاع بعطائه وثقافته الواسعة تجاوز الكثير من العقبات وأثبت التزاما وقدرة كبيرة في الحرص على تحقيق الثقة التي أولاها اياه صاحب السمو الأمير بحسن قيادته للحكومة الرشيدة رغم ما واجه من صعوبات جمة ليؤكد انه أهلا لهذا المنصب، وعبرت البلاد الكثير من المعضلات وسارت دفة الحكومة نحو الرقي والتنمية، ان الاجواء اليوم مهيئة لسمو الشيخ ناصر المحمد ولحكومته لتحقيق مزيد من طموحات ورغبات صاحب السمو الأمير في تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري واطلاق برنامج اصلاحي في تطوير الاقتصاد والتنمية ورفع المستوى المعيشي للمواطن.
كويت المحبة والسلام
ان ذكرياتي الشخصية مع وطني الكويت تحمل الكثير من الصفحات سجلها التاريخ، واعتبرها شخصيا نجوما على صدري منذ دراستي في الكويت وتخرجي، وتقليد سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله لي شهادة التخرج، وتكليفي بافتتاح مسجد آل خليفة بعد ترميمه كواحد من ملامح التاريخ والملاحم الاخوية بين الأسرتين الكريمتين آل صباح وآل خليفة، وشعبيهما الشقيقين، مرورا بما حصلت عليه من كرم الوفادة كسفير في وطني من القيادة ومن الشعب، وهي كلها أوسمة، لا أملك غير الشكر والثناء لله، ولهذا البلد الغالي، ولعل أصدق بيت يقال في هذا المقام قول الشاعر:
- بلد به استفديت ماء شبيبتي
- هوٍ ولبست العز بردا على برد
كويت العز
اننا وبهذه المناسبات الوطنية للكويت الحبيبة نبارك ونهني لاخواننا هذا الفوز الكبير بالوطن الكويت وبحكامه آل صباح، وبحكومته ورجاله الأوفياء، ونتمنى مزيدا من التطور والنماء والنهضة تحت قيادة صاحب السمو الأمير وسمو ولي عهده وسمو رئيس مجلس الوزراء حفظهم الله جميعا.
حفظ الله الكويت من كل مكروه وأعزها وأعز قادتها وأعز شعبها الميمون
وكل عام والجميع بخير