التحديات دائمة الحضور على ساحة الحياة وساحة الوعي معا، وبالكاد يخلو يوم واحد منها.
إنها موجودة على كل صعيد وفي كل مكان. فهي تبدأ في داخل الإنسان حيث القوى المتصارعة والمشاعر المتضاربة. وغالبا ما ينعكس الصراع الذاتي على الناس والأحداث من حولنا، ونظرا للتفاعل المتواصل مع الآخرين تختلط الطاقات وتتشابك المصالح وتصطدم الرغبات وتحدث معارك مرئية ومخفية.. كل يريد الأفضل لنفسه ومقتنع حتى النخاع بأن أفكاره هي الأصوب والأصلح للبقاء أو للأخذ في الاعتبار على الأقل.
الإنسان يمتلك رغبات تضغط عليه لتحقيقها، فالرغبة قوة لا تهدأ إلى أن تتحقق، ومتى تحققت تبزغ رغبة أخرى مكانها. فالفقس «الرغبوي» متواصل ما نبض القلب أو حتى ينضب الاشتهاء من تلقاء ذاته والتحدي الأساسي يكمن في تحصيل كل ما من شأنه أن يحقق تلك الرغبات وعندما تتحقق الرغبة يصاحبها شعور بالرضا والارتياح ويعتبر تحقيقها إنجازا بحد ذاته. أما إن حصل ما يعوق ذلك التحقيق فهنا يبدأ التحدي.
البخار إن لم يجد منفذا يتسرب منه يحدث انفجارا. وهذا ينطبق أيضا على الرغبة التي تمتلك قوة وفعل البخار داخل الإنسان. فإن لم يتم التعامل معها بحكمة ومنطق استحالت إلى عنصر حارق يلطع ويلسع دون هوادة.
هذا لا يعني عدم شرعية امتلاك الرغبات أو السعي لتحقيقها. فالرغبة جزء متمم لحياة الإنسان وبالكاد يوجد كائن بشري واحد يخلو منها، لكن التحدي الأكبر للإنسان يكمن في التحكم بتلك الرغبات بدلا من الانصياع لأوامرها والخضوع لمشيئتها.
ولعل عدم الاكتراث الزائد بتلك الرغبات يساعد في التعامل معها بكيفية منطقية. الأشياء التي نريدها بلهفة وشوق كبيرين غالبا ما تكون عصية جدا على التحقيق، نظرا لاستهدافها أولا قبل دراسة الطرق والأساليب الكفيلة ببلوغها وامتلاكها، وقبل غربلتها لمعرفة ما إذا كان امتلاكها ضروريا وذا فائدة. هذه ليست دعوة للزهد بالدنيا ورغبات الحياة بقدر ما هي تحليل لتلك الرغبات ومعرفة أنسب الطرق لمعالجتها.
ولا بد أن الشاعر القديم ـ أو العصري لست متأكدة ـ قد عانى من صعوبة تحقيق الوطر عندما قال «لا تلق دهرك إلا غير مكترث» إذ استنتج أن عدم التعلق بالمرغوب هو أجدى من التعلق وأكثر راحة للنفس.
ولم تغب هذه الحقيقة عن المتنبي عندما قال:
ويكبر في عين الصغير صغيرها
وتصغر في عين العظيم العظائم