في قـــراءة سريعــــة لمستجدات الأزمة السياسية في لبنان، أولى الملاحظات التي تدون على مفكراتي الله يكون بالعون يا لبنان.
هذا البلد الذي عانى ويعانــــي، يـدفـــع فواتيـر صراعات الغير على أرضه، فالأرز منحني ويطلق دائما الصيحات ويتمنى أن يستقيل من منصبه ليحل مكانه رسم آخر، تعبت الشجرة من مشاكل السياسيين وتمنت لو نبتت في أي بقعة في العالم ما عدا لبنان، هذا البلد الذي شغل مشارق الأرض ومغاربها، مكان خصب لتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن لن نشارك الغير في هذا النزاع، سأكون لبنانيا يكتب من بلد الاغتراب، لأقول أضعف الأيمان ـ لا ـ ان التدهور الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة اللبنانية إلى أدنى مستوى أفقد الناس مدخراتهم.
وحصار الدولة لصالح قوى الأمر الواقع على حساب الوطن والمواطن أدى إلى تراجع أعمال الطبقة الوسطى بشكل خطير بل نجزم للتذكير بأنها انتهت واختفت الى غير رجعة وهي بذلك صاغت أحداث الكارثة الاقتصادية الحقيقية، هذه الطبقة التي كانت تعتبر العمود الفقري للازدهار الاقتصادي ونواته الفعلية ومتانة وضعه، كانت الأساس في إيجاد الفرص وتطوير اليد العاملة ومنع تفاقم البطالة وامتصاصها والمساهم الأكبر في بناء الوطن كرافد أساسي لخزينة الدولة، ذهبت بعد أن تعبت من التفكير والتحمل، فكيف لطبقة ان تتلاشى بهذه السرعة؟ وهل أدرك اللبنانيون مخاطر الأمر الواقع؟
ان الإصلاح في لبنان يعني إعادة النظر في النظام الضريبي اللبناني المريض الذي يحتاج الى مصاريف هائلة لإعادة علاجه والذي لا يتلاءم مع الوضع الإقليمي الحالي، إذ ان النظام الاقتصادي أشبه بالمريض في وضع العناية الفائقة وليس في وضع كما يقال وفقا للتدابير الضريبية المتبعة. فالضريبة هي عمل اقتصادي بحت كالأعمدة في البناء أي خطأ في إعدادها أو سوء اختيار مواقعها يؤدي إلى انهياره، وهي المحور الأساسي في تحسين الدورة الاقتصادية وإعادة النهوض الاقتصادي على جميع الصعد. فكيف اذا كانت القوانين المنظمة بحاجة الى تشريعات جديدة والقيمون عليها تديرهم أهواء خاصة ومصالح شخصية.
نعم يجب إعادة النظر بالقوانين الضريبية في لبنان لكي تكون فاعلة في بناء الوطن ولا تصبح مجرد مفهوما مقلدا عن الآخرين. بل يجب أن تكون عملا إنسانيا بناء لخدمة الوطن والمواطن، توضع وفق دراسة اقتصادية كاملة متكاملة، وهي بطبيعة الحال تختلف تشريعاتها من دولة إلى أخرى وفق الحاجات والضرورات ولكن يجب أن يبقى لبنان بعيدا عن التأثرات إذ ان التشريع الضريبي في لبنان له خصوصياته وامتيازاته.
إن المطالبة بإعادة النظر كخطوة أولى في آلية تطبيق ضريبة القيمة المضافة بالطريقة المعتمدة حاليا لبعدها عن المفهوم الذي وضعت من أجله ليست سوى مبادرة حسن نية وبداية لتسليط الضوء على سيئاتها إذ انها وضعت في الأصل لاستيفاء الضريبة على الإنتاج المحلي وليس على البضائع المستوردة التي يجب أن تطبق عليها الضرائب الجمركية المتفاوتة لتأمين حماية الإنتاج المحلي والتي تضرب في صميم جيوب المواطنين وان تأمين التوازن لواردات الخزينة على أساس من العدالة الضريبية أصبح ضربا من الخيال. ولكن اذا عدنا الى السياسات التي اتبعت في السنوات الـ 10 السابقة نرى سوابق لم تشهدها أي دولة في العالم. فأصبحت الضريبة عبارة عن سونامي تجتاح كل ما يقف في وجهها ولكن أولى المتضررين يبقى دائما هذا الفقير. هذا المنتسب الى الطبقة الوسطى الذي كنا نعول عليه في حماية اقتصادنا.
إن الاقتصاد اللبناني يعتمد استهلاكه على الاستيراد لعدم وجود خطط ومشاريع أو دراسات قابلة للتنفيذ ترفع من إنتاجه الصناعي والزراعي ولعدم وجود بضائع تصديرية مطابقة للمواصفات العالمية ومقاييسها وانعدام مساعدة الدولة في تحقيق هذا الأمر، فإن الخزينة يجب ان تعتمد على الواردات في الرسوم غير المباشرة على البضائع المستوردة، خاصة ان عمليات الموازنة والخزينة للعام 2010 أظهرت مفاجآت غير سارة وان من أسباب هذا السر، هو التعاطي المباشر مع أي منطق عدا منطق الدولة، لذا كان من الضروري تعديل أسلوب العمل بضريبة القيمة المضافة الجارية حاليا بطريقة غير ملائمة، خاصة انها تستغل من قبل المؤسسات الصغيرة وبعض الباعة لتحقيق أرباح أضافية غير شرعية أو محقة بصورة عشوائية مخالفة على حساب عائدات الخزينة مما يرهق المستهلك، وهذا يحصل ليس لضعف في الرقابة المعدومة أصلا، بل لأن هذا الأمر لا يمكن ضبطه وإلا أضحت تكلفته أكثر من مردوده نظرا لأن الآلية في الأصل خاطئة وغياب الدولة عن الدعم ضمنا.
ان نظام الضرائب في لبنان هو نظام فاشل ويجب إعادة دراسته وتفعيله على أسس علمية بوتيرة تصاعدية وفقا لظروف البلد، وإلا نبقى في ظل نظام ظرفي مزاجي مع كثير من الاستثناءات.
وقد خرج علينا بعض المنذرين الاقتصاديين في الفترة الأخيرة للقول ان الإفراط في التوظيف الرسمي، والسخاء في الرواتب والتعويضات، يشكل حلا بديلا عن تردي القطاع الاقتصادي لتوفير السيولة بين أيدي الناس.
نسي مستشارنا ان هذه الحلول جربت في الثمانينيات وقبلها في الطفرة الاقتصادية وأثبتت فشلها، لأن تعداد موظفي الدولة لكل القطاعات لا يزيد عادة على 7% إذا حذفنا العمالة بالمياومة والعمالة الظرفية والمحسوبيات لذا فإن مجموع ما ينفقونه لا يشكل حلا للوضع المعيشي المتردي وقطع دابر العوز المتفشي.
بل ان القطاع الخاص الذي نعول عليه ويبقى رهاننا الأوحد في حال رعاية الدولة له وسهرها عليه فإنه أكثر قدرة على التوظيف وتوفير السيولة لتنوع أعماله وإنتاجه وقدرته على الرقابة.
لذا كان لابد من إعادة تأمين النهوض للصناعة والتجارة على أنواعها والحفاظ على الأمن الاجتماعي بتأمين ضمانات صحية من تطبيب واستشفاء وتعويضات بطالة، وتحقيق ذلك هو البداية السليمة نحو الرقي والتقدم والازدهار.
ولا نرى بديلا عن ذلك سوى الفشل الآن الحل يبقى وسيبقى القطاع الخاص بكل أطيافه مع الكفاءات للإدارة والنزاهة في الممارسة.
وفي الختام وكما في كل ختام نتوجه الى هذا البلد المعطاء.هذا البلد الذي ساعد ويساعد كل البلاد العربية.
الى صاحب السمو الأمير، حماه الله ورعاه، الى ولي عهده أطال الله في عمره الى الحكومة الساهرة على اقتصاد هذا البلد بعين مترقبة، أدامكم الله وجعلكم آمنين في رعايته. لنكرر دائما الكويت الحبيبة الله حاميها. وسيبقى ان شاء الله حاميها.
[email protected]