الأصل في الممارسة السياسية أن تقوم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على «التعاون» كما ينص على ذلك الدستور، والهدف من ذلك هو تحقيق مصلحة الدولة العليا بالدرجة الأولى ومصالح المواطنين. وفي هذا النوع من العلاقات لا ينبغي أن نفهم من موافقة بعض النواب وتأييدهم لبعض مشاريع الحكومة على أنها «احتواء» ولا يعني أن هؤلاء النواب «حكوميين» بالمعنى السلبي للكلمة، كما لا ينبغي أن يوصف من لا يوافق على تلك المشاريع بأنه «معارضة» وضد الحكومة، هذا من حيث الأصل وما ينبغي أن يكون وهو مضمون العملية الديموقراطية. غير أن الديموقراطية تحمل في أحشائها عيبا شرعيا خطيرا، إذ من السهل جدا أن تتحول الممارسة السياسية إلى ممارسة «شكلية» تستخدم فيها نفس أدوات الديموقراطية لتمرير مصالح خاصة على حساب مصلحة الدولة والشعب، وذلك عن طريق تزوير إرادة الشعب سواء بصورة مباشرة، أي التزوير في صناديق الاقتراع أو بصورة غير مباشرة عن طريق شراء ذمم بعض النواب والتأثير عليهم لاتخاذ مواقف لا تعبر عن رغبات من يمثلونهم، فالمحصلة واحدة وهي العمل ضد إرادة الشعب مصدر السلطات جميعها.
وعندما نتأمل في طبيعة العلاقة بين السلطتين في الكويت نلاحظ بوضوح أنها ليست علاقة تعاون على الاطلاق، فالانقسام حاد جدا بين البرلمان والحكومة من جهة، وبين النواب أنفسهم من جهة ثانية، ما يجعل مسألة القبول بنتائج العملية الديموقراطية أمرا صعبا، فعلى الرغم من أن مطالبة النائب الفاضل مسلم البراك بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة أمر مخالف لقواعد الديموقراطية الحقة، إلا أنها مطالبة تستند إلى معطيات واقعية وليست مثالية قوامها ما يشعر به كثير من المواطنين بأن ما يجري في قاعة عبدالله السالم لا يعبر فعلا عن إرادة الشعب، وهي ليست المرة الأولى التي ينادي بها البعض بحل المجلس وإجراء انتخابات جديدة كما أنها ليست بدعة كويتية، فهي جزء من قواعد اللعبة الديموقراطية وتمارس في مختلف دول العالم، والسبب فيها عدم احترام بعض النواب لقسمهم ودورهم التشريعي والرقابي تجاه من انتخبوهم ووعدوهم بحماية المال العام وتطوير الخدمات ورفع اسم الكويت بين الدول، ولنأخذ قانون الخصخصة على سبيل المثال، فالواقع يؤكد أن غالبية الشعب الكويتي ضد الخصخصة، ومع ذلك لم يقم النواب المؤيدون للقانون باستشارة المواطنين واستطلاع آرائهم، ففي النهاية هم ليسوا أكثر من ممثلين عنهم، وهنا نكون في مجال الديموقراطية الشكلية التي تظهر من الخارج على أنها تسير ضمن قواعد اللعبة الديموقراطية في حين أنها ممارسة فردية من بعض النواب، ناهيك عن الأخبار التي تتحدث عن امتيازات ومكافآت كبيرة منحت لبعض النواب المؤيدين للخصخصة أو غيرها سواء من خلال المشاريع أو المناصب العليا لأقربائهم أو حتى من خلال «الكاش»، فإن صدقت مثل هذه الأخبار فهل تكون الممارسة الديموقراطية الحالية حقيقية أم شكلية لا تخدم سوى مصالح شخصية على حساب المصالح العامة؟
[email protected]