محمد الخالديكان العرب قديما يمارسون «وأد البنات»، أما اليوم فهم يمارسون «وأد الأفكار»، وهو نوع آخر من القتل نراه بوضوح في أغلب الحوارات حيث يقمع المتحدث ويمنع من الاسترسال في الكلام وتوضيح رأيه والتعبير عن ذاته وأفكاره، ربما خشية من أن تكبر الفكرة ثم تجلب بعدها «العار».
كم نحن مهووسون بإلقاء اللوم على الآخرين، كل شيء يمكن أن يكون السبب في تراجعنا وتخلفنا إلا نحن، كل الناس وكل الدول وكل الأنظمة هي سبب ما نحن فيه من بؤس، حتى الطبيعة تقف ضدنا عندما تجود علينا ببضع قطرات من المطر يمكن أن تكون سببا في تعطيل المعاملات ومصالح الناس ووقف عجلة التنمية، أما نحن المواطنين الذين نتهرب من أداء العمل والإنجاز، الذين يقضون ساعات العمل في «السوالف» والأكل وشرب القهوة وتصفح «الجرايد» وحل الكلمات المتقاطعة وترك المراجعين «ملطوعين» بالساعات فلا ذنب لنا على الإطلاق، إننا غير مسؤولين عن هذا الوضع المزري لأن أميركا تحاربنا وأوربا تريد نهب ثرواتنا وآسيا تضمر لنا الشر وافريقيا تحسدنا، الكون كله هو السبب أما نحن «مساكين ما لنا ذنب».
عندما نشاهد أي برنامج حواري يضم بعض العقول العربية فإننا في الحقيقة لا نخرج بأي معلومة جديدة ولا نفهم موقف أو أفكار أي من المتحاورين بقدر ما نشاهد عملية «وأد للأفكار» وعلى الهواء مباشرة بسلاح الصراخ والضرب على الطاولة، فقد شاهدت الكثير من المواقف المضحكة في هذه البرامج المزعجة، والكثير من الطرق «الغوغائية» لقمع الآخر وقتل أفكاره، ولكن أعجب ما شاهدت أن يصرخ أحد الضيوف على الضيف الآخر قائلا له: «لا تتحدث عن هذا الموضوع» كلما حاول ذلك المسكين أن يتحدث.
وهذا شيء عجيب لا يمكن أن تراه إلا على الفضائيات العربية رحم الله السياب الذي كتب هذه الأبيات التي أعيدها إلى من يهمه الأمر:
النور من طين هنا أو زجاج
قـفـل على بـــــاب ســــور
النور في قبري دجى دون نور
النور في شـبـاك داري زجــاج
كم حدقت بي خلفه من عيون
ســــوداء كـــالـعـار
يجرحن بالأهداب أسراري
فاليوم داري لــم تـعـد داري
والنور في شباك داري ظنون
تمتص أغـــواري