مازلت أذكر أول يوم دراسي في مدينة برايتون في بريطانيا، دخلت الجامعة وتوجهت إلى مكتب التسجيل، استخرجت بطاقتي الجامعية وأتممت أوراقي ثم توجهت إلى مركز «خدمة الطالب» كما طلبوا مني، وهناك تعرفت على حقوقي كطالب وعلى أهم الخدمات التي توفرها مؤسسات الدولة وحتى مؤسسات القطاع الخاص. مركز خدمة الطالب هناك عبارة عن مكتب تجاري بوسط السوق، ولكنه يقدم خدمات عظيمة للطلبة، من بينها بيع تذاكر المواصلات سواء للباص أو القطار بأسعار مخفضة وباشتراكات شهرية أو أسبوعية، وكذلك بيع الكتب الدراسية المستعملة والتوعية بحقوق الطالب وواجباته والتنسيق مع بعض الشركات ومطاعم الوجبات السريعة لتوفير فرص عمل للطلبة بنظام الساعات بل وحتى توفير تذاكر دخول السينما بأسعار رمزية وغيرها من الخدمات التي تسهل على الطلبة حياتهم وتساعدهم على الاستقلالية وتعلمهم الاعتماد على النفس.
أما في الكويت، فمراكز «خدمة الطالب» عبارة عن «محلات» لبيع البحوث الجاهزة وحل واجبات الطلبة نيابة عنهم مقابل مبلغ من المال، فهي لا تقدم للطالب أي خدمة ولا تساعده في تعلم مهارات الحياة والاعتماد على النفس، بل على العكس تساعده على الكسل و«الربادة» والاعتماد على الآخرين والتحايل على القانون والكذب على أساتذته وغيرها من الصفات السيئة، ولذلك لا عجب أن يتخرج الطالب ويصبح مثالا سيئا للمواطن الفاسد الذي لا يتوانى عن أخذ ما ليس له دون أن يقدم أي شيء، ومثالا أسوأ للموظف الذي يتهرب من العمل وخدمة الناس، ويتفاخر بالتحايل على القانون والكذب على المسؤولين وإلقاء كل العمل على كاهل أقرب موظف وافد.
مراكز خدمة الطلبة ليست ترفا، فهي جزء من العملية التعليمية وعملية بناء شخصية الإنسان، وهي تعكس ثقافة المجتمع، فإذا كان الطالب لا يجد حرجا أن يطلب من والده مبلغا من المال «ليشتري» بحثا جاهزا من المكتبة، وإذا كان أولياء الأمور لا يرون في هذا العمل أي عيب بل ويعتبرون أنفسهم بذلك أنهم يقومون بدورهم تجاه أبنائهم في توفير متطلباتهم الدراسية، وإذا كانت إعلانات «نقوم بعمل جميع الأبحاث العلمية ولجميع التخصصات» تنشر علنا في صحف الدعاية وتوزع علنا على سيارات الطلبة في الجامعة، وكل ذلك يتم تحت مرأى ومسمع أجهزة الدولة ويكون بعد ذلك أمرا مقبولا، فهذا يعني أن هناك خللا كبيرا في هذا المجتمع، في قيمه وفي الضمير الجمعي لأفراده بلا مبالغة، فإذا أردنا أن نبني إنسانا صالحا يحترم القوانين ويعي دوره تجاه الدولة والمجتمع والإنسانية ويؤدي واجباته قبل أن يطالب بحقوقه فعلينا إذن أن ننتبه إلى الطريقة التي ينشأ بها أبناؤنا والقيم التي يكتسبونها في مدارسنا ومساجدنا ودواويننا، فما نجنيه هو ثمرة ما نغرس، فما الذي تغرسه هذه النظم والمؤسسات غير المبدأ السخيف «من صادها عشا عياله»؟
[email protected]