كي تنبت زرعة الديموقراطية بشكل صحيح، وكي تنمو هذه الزرعة ونجني ثمارها لابد أن نوفر لها المناخ المناسب من كافة جوانبه. ولكن حتى الان وبرغم احتفالنا في الكويت بالذكرى الـ 48 لصدور الدستور، ورغم تبوؤ وسائل الاعلام في الكويت المراكز الأولى عالميا في حرية الصحافة، إلا أننا لا نزال نشعر بغربة عند سماعنا لكلمة ديموقراطية والسبب ليس في آلية تطبيقها، ولكن في طريقة تقبلها، فالديموقراطية مطبقة عندنا عبر مؤسسات واضحة، وأبرزها السلطة التشريعية، ولكن المحزن أن يتم اختراق الديموقراطية من قبل من يفترض بهم أن يحرسوها ويسهروا على رعايتها وصونها..أو على الاقل أن يحملوا على عاتقهم مسؤولية التوعية بها وغرسها في نفوس الناس.
الذي يحصل الان، هو ممارسة ديموقراطية من طرف واحد، تماما كما هو مصطلح «حب من طرف واحد»، وهذا النوع من «الحب» فيه ألم كبير للمحب، الذي يستنزف كل طاقاته دون حظوة بالوصال من الحبيب، فبعض اعضاء مجلس الأمة اليوم، يحبون الديموقراطية وهي لا تحبهم، لسبب بسيط، وهو ان هذه الديموقراطية لا تجد في هؤلاء النواب ما يغري بالحب، ولا تجدهم الاشخاص المثاليين لتطبيقها، لأن حبهم لها (الديموقراطية) من الطرف الذي يخدم مصالحهم، اي انهم ديموقراطيون عندما يريدون أن يمرروا قانونا لهم فيه مصلحة، او يمنعوا قانونا فيه مضرة لمصالحهم، وهم ديموقراطيون عندما يخطبون ويهاجمون الحكومة، وهم على النقيض عندما ينتقدهم أحد وهم يهوون الديموقراطية في الاستجوابات، ويتشدقون بأنها أداة دستورية لا يجوز المساس بها، ويعترضون عندما يراد اتخاذ اجراء قانوني بحقهم أو حتى معارضة أفكارهم
هذا الأمر خلق نوعا من الانفصام في شخصية مجتمعنا فأصبحت الازدواجية هي السمة الغالبة على معظم تصرفاتنا، بدءا من المنزل والديوانية، مرورا بالعمل، وصولا الى المؤسسات المدنية التي هي واجهتنا الحضارية، وثمرة دستورنا الذي قارب للوصول الى عقده الخامس.
وهذا الوضع ايضا خلق أداة جديدة للحوار لم تكن موجودة في مجتمعاتنا من قبل، الا وهي لغة العراك، بحيث أصبح هناك استسهال بأخذ الحق ذاتيا دون اللجوء الى القضاء، وتحولت الندوات الى ساحات لتصفية الحسابات، وهو الأمر الذي يدعو للألم. لكن السؤال الأكثر إلحاحا هو «ما الذي علينا فعله كي نتجنب وقوع ذلك؟» والاجابة هنا يمكن اختزالها في كلمة واحدة هي «الصحوة»، فنحن اليوم نعيش في غفوة سببها اننا انتشينا بالديموقراطية كمظهر، ولكننا لم نمارسها كسلوك حقيقي، وبالتالي فلابد لنا من صحوة نبدؤها بأنفسنا كي نستفيق سلوكيا، ثم نكرسها في ممارساتنا السياسية حتى لا تقبر الديموقراطية في المكان الذي يجب أن تعيش فيه، وأقصد البرلمان طبعا.
[email protected]