معظم الثورات التي تحصل في العالم، دافعها اقتصادي، حتى وإن بدت برداء سياسيا، وكثيرون يختصرون الثورة الشعبية التي حصلت في تونس في «عربة خضار» كان يقودها بائع متجول أعلن احتجاجه بطريقة مأساوية فطاح حكم رئيس استمر لأكثر من عقدين من الزمان.
من النظرة الأولى يبدو الأمر كذلك، ولكن في المنظور الآخر فإن الثورة التي حدثت هي ثورة اقتصادية وليست سياسية، تمثلت في عربة خضار صغيرة، إلا أن هذه العربة تمثل واقعا اقتصاديا أوسع من ذلك، فهي ناجمة عن تراكمات تجمعت واحتقنت حتى جاء دبوس الشاب محمد بوعزيزي بشهادته الجامعية التي لم تطعمه خبز الحياة، ليفجر هذا الاحتقان بعد أن قدم روحه قربانا لبلد كامل.
من هنا يتبين أن الاقتصاد هو العنصر الأساسي لنجاح او فشل اي سياسة، ومازالت ثورات الجياع منذ قدم التاريخ شاهدة على أهمية العامل الاقتصادي في ادارة دفة الحكم. ولاتزال النصيحة السلبية للملكة ماري انطوانيت الموجهة لشعبها بأن يأكلوا «البسكويت» بدل الخبز.. لاتزال هذه النصيحة الساذجة تشكل رمزا لفساد الإدارة الاقتصادية، ومؤشرا على الفجوة الكبيرة بين ذروة الهرم السياسي وقاعدته في بعض السياسات التي لا تحسب حسابا للشعب.
المفارقة التي يراها بعض المحللين الاقتصاديين هي ان معدل النمو الاقتصادي في تونس قد ارتفع في السنوات الاخيرة، حيث ارتفع معدل النمو في الاقتصاد التونسي بشكل عام من 3% في عام 2009 إلى 4% في عام 2010م، وقد تحسن دخل الفرد، ولكن مع ذلك لم يتم القضاء على البطالة. فقد أشار البنك الدولي في تقرير له في شهر سبتمبر الماضي إلى أن معدلات البطالة في تونس قد بلغت 30% لفئة الشباب (20-24 عاما)، وتجاوزت 25% بين خريجي الجامعات، وبأن التحدي الذي يواجه الاقتصاد التونسي هو البطالة، التي ارتفعت من 12.7% إلى 13.3%، وذكر على وجه الخصوص البطالة في صفوف «الشباب المتعلمين»، والتي تجاوزت هذه المستويات.
وفي المقابل فان هذا التناقض بين زيادة النمو وارتفاع معدل البطالة، يعطي مؤشرا على ان هذا ما ينطبق عليه مقولة: «وفرة في الانتاج وسوء في التوزيع»، ويتضح هذا السوء في التوزيع من حجم ثروة بن علي وعائلته.
لذلك فان الحديث عن ثورة تونس لا تنحصر في نطاقها الإقليمي الضيق لدولة استيقظت فجأة لتجد رئيسها وقد أصبح خارج البلاد، بل إن الحديث عن هذه الثورة يعد نموذجا قابل للاستنساخ في دول العالم الثالث التي لا تعرف كيف تحرك اقتصادها جيدا باتجاه النمو ورفاهية الفرد والقضاء على البطالة، كما هي مؤشر خطير على سوسة لا ترى بالعين المجردة اسمها الفساد.
[email protected]