سعد الحرمل
سؤال يجب أن يطرحه كل عاقل على نفسه، ولمصلحة من؟ فكلنا يعلم أن العمل الرقابي مكروه دائما ومحفوف بالمخاطر، والإنسان بفطرته يكره أن يراقب أو يتم التدقيق عليه، فالطفل مثلا تجده يكره رقابة والديه ويتذمر منها أثناء لهوه، رغم أنهما يسعيان لحمايته، والبنت الدلوعة تكره رقابة أهلها وتضيق بها ذرعا خاصة إذا ما كان لديها شيء من الشقاوة، بالرغم من أن أهلها ينشدون حمايتها والحفاظ عليها، فما بالك بالمجرم أو بمعنى آخر الحرامي، فهل من الممكن أن يتقبل الرقابة او يحبها؟ أترك الإجابة لأهل العقول السليمة.
على مر العصور هناك صراع بين قوى الشر وقوى الخير، قوى الفساد وقوى الإصلاح، وقد ترجح كفة الفساد أحيانا نتيجة لعدة ظروف كما هو واقع حاليا في الكويت هذه الأيام بعد أن استشرى في معظم الجهات والدوائر الحكومية وبقي ديوان المحاسبة عائقا أمام الفساد وأهله فكثرت الاتهامات وزاد عدد الجبهات التي يقاتل فيها الديوان، لأن أهل الفساد يطبقون نظرية عدو عدوي صديقي وإن كانوا مختلفين في السرقة إلا أنهم متحدون على الجهة التي تحاربهم، ولكن مهما طال الأمد لابد أن تعود إلى نصابها في نهاية الأمر ولا يصح إلا الصحيح.
بالأمس القريب روج أعداء الديموقراطية فكرة أن مجلس الأمة هو عقبة في وجه المشاريع وأنه أصبح معول هدم لا معول بناء، حتى ردد بعض البسطاء كلمة تعطيل المجلس بالرغم من أن الحكومة هي المسؤولة عن المشاريع وتنفيذها لا المجلس، فهل نحلها إذا لم يعجبنا أداؤها؟.. لا تعليق.
الهدف من الهجوم على ديوان المحاسبة ليس قريب المدى وإنما هدف استراتيجي بعيد المدى، فمنذ أعلن السيد براك المرزوق نيته التنحي عن منصب رئيس الديوان وهو الرجل الذي لم ينحن يوما أمام رياح الفساد العاتية وقض مضاجع قوى الفساد، سال لعاب الكثيرين للسيطرة على هذا الجهاز من خلال الإتيان بشخص مسيّس ومبرمج يمشي حسب أهواء «معازيبه» من أحضروه. أيضا من الأهداف الأخرى بعيدة المدى تشويه سمعة الديوان بقياداته لفتح الباب أمام الرئيس القادم المسيس، لا سمح الله، ليتخذها ذريعة لتغيير القيادات والإتيان بفرقة حسب الله، مع الاعتذار للفرقة، والعودة بالديوان إلى عصور الظلام لتسرح قوى الفساد وتمرح عابثة بالمال العام دون حسيب ولا رقيب.
طرف آخر، أو جهة أخرى من جهات الفساد تقود الشارع مستخدمة بعض الأقلام المأجورة مفتقرة إلى أدنى درجات المهنية دون التأكد من كل ما يقال قبل التعليق عليه، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
هذا إذا كانوا يراعون المهنية في عملهم والدقة ويراعون الله قبل كل ذلك، لدرجة أنهم قلبوا الموازين ليصبح الفاسق بطلا، وهذا من علامات الساعة، كما أخبرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة».
«كل يقرب خبزته من النار» مثل شعبي يفيد بأن كل فئة تسعى لمصلحتها على حساب المصلحة العامة، فتجدهم تارة يقودون الشارع تمجيدا في ديوان المحاسبة وتقاريره لأنها كشفت أطرافا أخرى تنافسهم في الفساد وتارة أخرى تجدهم يقودون نفس الشارع ويحركونه هجوما على الديوان، لأن تقاريره تكشفهم وتتعارض مع مسيرتهم في الفساد، ويعتمدون على ضعف ذاكرة الشارع الكويتي في هذا الشأن والذي نسي تقارير الديوان التي كان لها الدور الأكبر في العديد من الاستجوابات، مثل العلاج بالخارج ومشاريع الـ bot وفي إيرادات المخالفات المرورية والقسائم الصناعية وأيضا في حقول الشمال وغيرها في العديد من التكاليف التي أحيلت إليه سواء من قبل الحكومة أو مجلس الأمة، ليعطي الرأي الفني بشأنها.
بالرغم من أن الديوان لم يعط رأيه الفني بشأن المصفاة الرابعة إلا ان هناك أطرافا تستبق الأمور وتطنطن سعيا لإيجاد مدخل لها للاستفادة من الموضوع بأي شكل من الأشكال.
يعيب البعض على الديوان عدم رده على أي اتهامات توجه اليه ويعتبر ذلك ضعفا الا انه، أي الديوان، لا يرد إلا على جهات حكومية رسمية فقط ويترفع عن المهاترات.
ختاما، يظل ديوان المحاسبة صرحا شامخا لحماية المال العام وآخر قلاعه الحصينة، فإن وقع، لا سمح الله، على المال العام السلام.
الزميل العزيز محمد الوشيحي من الزميلة «الراي»، حرية النقد والكتابة والتعبير لا تعني حرية التجريح والقذف في حق جميع موظفي ديوان المحاسبة، خاصة من قبل رجل محنك لا يبخس حقوق الرجال.