صالح الشايجي
بعدما فرغ من شعيرة الطواف حول الكعبة في أولى شعائر العمرة، وهمّ بالتوجه الى المسعى في الصفا والمروة، انحنى احد الموجودين ليقرّب له نعليه، ولكنه انتفض سريعا وانحنى - هو - ممسكا بيده رافضا تقريب النعل إليه! وبعدما ارتدى نعليه همّ المطوّف بالمضي نحو المسعى، ولكنه استأذنه في التريث حتى يفرغ آخر عضو في ذلك الوفد الكبير من صلاته حول الكعبة وحتى تكتمل حلقة الوفد، فلا يمضي دون أن يتأكد من أن أعضاء الوفد كلهم قد تجمعوا! فلما تجمع أعضاء الوفد كلهم أعطى الإشارة للمطوّف بالتوجه الى المسعى!
لم يكن هو من عامة الناس وبسطائهم أو حتى مجرد شخصية كبيرة، بل كان ولي عهد ورئيس وزراء وشيخا وابن شيخ! كان «هو» سعد العبدالله السالم الصباح ولي العهد ورئيس الوزراء لدولة الكويت، وكان ذلك الحدث في عام 1978، وكنت أنا شاهدا عيانا على ذلك الحدث الذي يكشف بساطة أميرنا الراحل وتواضعه، فلقد كنت مرافقا إذاعيا لتغطية زيارات سموه لدول الخليج الشقيقة.
تلك صورة من تواضع الراحل الكبير صاحب السمو الشيخ سعد العبدالله، وتتوالى صور تواضعه وبساطته وطيبته، فلم يكن يستثني أحدا من أعضاء الوفد سواء كبارهم من وزراء ومسؤولين في الدولة أو مرافقين صغارا إلا ويقوم بتقديمه لمضيفيه من حكام تلك الدول أو أمرائها، وكنا كلما حططنا بمطار وحللنا في صالات التشريفات بتلك المطارات لم يكن ليجلس حتى يتأكد من أن أعضاء الوفد كلهم قد وصلوا الى الصالة، وكثيرا ما كان يسأل: أين فلان؟ وهذا الـ «فلان» ليس بالضرورة وزيرا أو عضوا مهما في الوفد، بل ربما يكون مرافقا بسيطا، ولكن «سعد العبدالله» لم يكن يهنأ له بال حتى يتأكد من أن أعضاء الوفد كلهم ينالون الدرجة ذاتها من اهتمامه وحرصه، وكان يحس بانهم جميعا أمانة في عنقه صغيرهم قبل كبيرهم.
قدمت للتلفزيون عام 1979، برنامجا وثائقيا اسمه «شيء من الوفاء» وكان يتناول سير ثلاثة من أمراء الكويت الراحلين «أحمد الجابر» و«عبدالله السالم» و«صباح السالم» فطلبت لقاءه بحكم كونه ابن «عبدالله السالم» وعرضت عليه فكرة استضافته في البرنامج ليتحدث عن سيرة والده، فرد علي بمنتهى الشفافية والبساطة ليس لدي من مانع، ولكن دعني أسأل عن ملاءمة ذلك مع وضعي، وهل يجوز لي ان أتحدث عن أبي أم أدع الآخرين يتحدثون عنه وبعد أيام استدعاني للاعتذار وكتب في ورقة أمامه أسماء الأشخاص الذين يمكنهم الحديث عن والده وأعطاني تلك الورقة وفعلا قمت بالتسجيل معهم وهم على ما أذكر «خالد الحمد» و«عبدالله العسعوسي» وهما من أصدقاء الشيخ «عبدالله السالم» وكذلك «عبدالعزيز العتيبي» والذي عاصر الشيخ «عبدالله السالم» من خلال عمله في مجلس الوزراء.
رحمهم الله جميعا.
تلك شهادة صدق أدلي بها عن راحلنا الكبير بعد وفاته، لأنها دين لابد لي من تسديده، ولأنها كلمة حق لابد أن تقال في ذي فضل هو ليس بحاجة إليها، لأن فضله معروف، ولكنني أنا الذي بحاجة لتسديد ذلك الدين!