صالح الشايجي
أميل إلى ما أشار إليه الزميل سامي النصف في أكثر من موقع، من أن قوى الاعتدال العربي تتقهقر وتنحسر وتنهزم، بينما قوى التطرف هي المكتسحة والغلبة لها في كل موقع أو كل ساحة صراع بين الطرفين.
هذا يعكسه في الواقع ما يحدث على كثير من الساحات العربية المتصارعة بين الطرفين - المعتدل والمتطرف - «حماس» في فلسطين قدر لها أن تحقق ما تحقق من شطر «غزة» عن بقية الجسد الفلسطيني واقامة دويلة على أرضها تحكمها بالحديد والنار.
وكذلك ما يحدث في العراق من انحسار للتيار الليبرالي أو العلماني والوطني لصالح التيار المتطرف الذي يرفع شعارات ويعمل على هديها، رغم ما فيها من مجافاة للصالح الوطني العام.
والقائمة طويلة لا تكاد تنتهي: «طالبان» في أفغانستان وكذلك في «باكستان»، في لبنان أيضا نماذج وصور ووقائع تؤكد هذا الأمر، وهو انحسار التيار المعتدل وسيطرة التيار المتطرف.
وفي محاولة لتعرف أسباب هذا الواقع المؤسف، نستطيع بسهولة الوصول إلى تلك الأسباب التي تهيئ الساحة ممهدة للتيار المتطرف.
من ذلك مثلا أن القوى العالمية المؤثرة في تحريك الأحداث، ليس من صالحها انتصار تيار الاعتدال، لأن في ذلك تناقضا مع مصالحها، فإذا ما ساد الاعتدال وهدأت المجتمعات وألقى المتحاربون أسلحتهم وانخرطوا في بناء مجتمعاتهم وتنميتها، إذا ما حدث ذلك فإن دور تلك القوى العالمية ينحسر ومصالحها تتأثر سلبا، لذلك فإن مصلحتها تتماهى وتتوحد مع التيار المتطرف والذي يتكفل بخلخلة الأوضاع وتسخينها واحيانا حرقها، وهنا يكون وجود هذه القوى العالمية مطلوبا بل يشكل عامل استقطاب.
على رأس هذه القوى المحركة للأحداث والتي تميل إلى معسكر التطرف، اسرائيل وبقية الدول ذات المصالح سواء الصين أو دول الاتحاد الأوروبي أو حتى روسيا والولايات المتحدة، هي لعبة مصالح لها وجه اعلامي مغاير لباطنها، ولها أكاذيب على الوجه ومساحيق للتجمل بينما حقيقتها عكس ذلك تماما.
في الماضي عجزت القوى الاستعمارية عن تحقيق مشاريعها من خلال «حلف بغداد» وما شابه من تحالفات أو رموز حاكمة توالي تلك القوى، بينما تمكنت من تحقيق أكثر مما كانت تخطط له وتحلم به، عن طريق القوى «الثورية» والقومية والوطنية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد ولعل أكثرها فجاجة تمدد اسرائيل وتمكنها من تحريك الأحداث في محيطها العربي حسب مشيئتها.