يبدأ عمر الإنسان بثوان تستحيل دقيقة، وبدقائق تستحيل ساعات فأياما فشهورا فسنين ثم عقودا.
وعمري الذي مر يومان على ذكرى بدئه، قطع عقودا من سنين.
وأنا في كل تلك السنين التي أرنو الآن إلى بعضها من بعيد، لم أكن مغسولا بماء الورد ولم يتدفق العسل في فمي كل صباح، ولم أتوحل بسبخ آسن ولم تغمرني الظنون وتلق بي في بحر الشكوك والهواجس، وربما كلنا أو معظمنا كذلك.
تعبس الحياة في وجوهنا يوما وفي يوم تطرق أبواب صباحاتنا بأكاليل الورود.
لن أسخط على يوم مولدي وأقول ما قاله الشاعر: «عدت يا يوم مولدي.. عدت يا أيها الشقي» لا لن أقول ذلك بل إني أقول عكسه.
أقول: عدت يا أيها السعيد، وكم أحب أن تعود وتعود، أن تجدد ميلادي في هذه الحياة التي لم أكرهها ولم أتبرم منها ولم أملها.
فشكرا لك أيها اليوم المجيد، عرفتني على الحياة، عرفتني على أمي وأبي وأولادي وإخوتي وأهلي وأصدقائي وأحبتي.
عرفتني على المرأة، عكازي في الحياة وسمعي وبصري.
عرفتني على الأصدقاء رجالا ونساء لأعرف أنهم غابة العمر الخضراء أستمد منها أوكسجين الحياة، وأشرب من نهرها حد الارتواء.
عرفتني على ذاتي بقصورها ونقائصها وزلاتها وسموها ونبلها وكرمها والحب الفائض فيها.
لن أجلد ذاتي، كما يفعل البعض، ولن أسب زماني كما يفعلون، ولن أتحسر على وقت فات ومات، لأصفه بـ «الزمن الجميل» و«زمن الطيبين» كما يقولون.
إن الزمن الجميل والزمن الطيب هو الزمن الذي عشته وأعيشه الآن وسوف أعيشه في المقبلات.
عندي من ذخيرة العقل والكفاية ما يمنعني من التحسر على الماضي، لأن من يتحسر على الماضي وينعاه، إنما هو ينعى نفسه لأنه فقد زاده وخوت زوادته.
يبكي على فقيده، بينما أنا أنعش مخزوني كل يوم وهذا ما أبقاه حيا يكبر، لا صغيرا يضمر ثم يموت لتبدأ حفلة الندب السوداء.
شكرا لك يا عمري أنا فخور بك، أنت فخاري ولست عاري.
أنا بك أزهو وأزهر.
قد يظن ظان، أنني قصدت نفسي، لا بل نحن كلنا كذلك، فخورون بحياتنا وأعمارنا، ولكن لم نصطد هذه الحقيقة أو ربما لم نعترف بها.
[email protected]