لا يقتصر الفساد على خراب الذمم المالية واكتناز الحرام واستغلال المناصب وتزكية الذات وذوي القربى وتنفيعهم، ولا ينحصر في دائرة الاغتراف المالي واللصوصية والتلاعب والتدليس والغش من أجل الكسب المالي وتضخيم الأرصدة.
ولكن ثمة فساد من نوع آخر لا يقل عن هذا النوع من الفساد بل يفوقه، وهو فساد معنوي غير منظور يتجلى في تمكين من لا يستحقون وتكبير المساحة التي يحتلونها ومنحهم صلاحيات مطلقة تجعل رقاب العباد ومصير البلاد في أيديهم.
هؤلاء الفاسدون لا يعدمون وسيلة في انتهازيتهم لاهتبال الفرص، ولا يمنعهم عيب أو خجل أو حرام لأنهم معدومو سجية الخجل وفضيلة صون الكرامة لذلك فهم لا يرتدعون مهما زُجروا ومهما دُحروا ومهما أهينوا.
وهم مع الأسف كثر في بلادنا، سرقوا تاريخنا وشوهوا حاضرنا وأظلموا مستقبلنا، وأسبلوا علينا باليَ أسمالهم، ونبشوا قبور آبائنا وأجدادنا ونثروا عظامهم نهبا للريح.
لا يريدون لنا تاريخا ولا تراثا، يغيظهم أنا موجودون وبلادنا موجودة وقائمة قبل أن تهل علينا جاهليتهم وجهالتهم.
يريدون حشرنا في كهوف الظلام ولو استطاعوا لكانوا قبرونا وأهالوا علينا التراب مشيعينا باللعنات والسباب.
هؤلاء الفاسدون يسرقون بلدا بأكمله بتاريخه وناسه وثرواته ومنجزاته، وهم أشد خطرا من الفاسدين سراق المال وهم أخطر منهم لأن فسادهم خفي سرطاني يسري في جسد وطننا وينتشر ويكون بؤرا خبيثة.
هؤلاء ملعونون لا يريدون بقاء الكويت ولا الكويتيين، بينما الفاسدون الماليون يريدون بقاءها لسرقتها أكثر وأكثر.
إذن نحن بين نوعين من الفاسدين، فاسدين يسرقون من رغيفنا وفاسدين يريدون قتل صانع الرغيف، وكلاهما خطر علينا وكلاهما عدو لنا مهما تلونوا وطلوا ألسنتهم بالعسل وظهروا بوجوه الطاهرين الأنقياء.
إننا نريد استعادة بلادنا بتاريخها وتراثها وفنونها وثقافتها وشعرائها ومغنيها وراقصيها.
نريد استعادة بحرها وبرها، نهامها الصارخ في فضاء أزرق، وحادي العيس يرسل إلى الصفاة هوادجه.
لا نريد استعادة ذلك الماضي بتفاصيله المادية ولكن بجوانبه الإنسانية الثرية، تفاصيله التي خلقت الإنسان الكويتي وتربى عليها قبل أن يتمكن أولئك المنحرفون الذين يرمون إلى غسل أدمغتنا الكويتية ليزرعوا فيها سموم تخلفهم وأحقادهم.
[email protected]