قمصان الموت هي هدية الحياة لنا..
موت فموت ثم موت بعده موت..
أجدد كل يوم قمصان حزني على راحل في الذاكرة أو في القلب أو سابح في فضاء الحياة لا في ذاكرة ولا في قلب..
موجع هذا الموت.. مؤلم يكسر النفس ويدس الحزن فيها..
وآخر الراحلين كان في الذاكرة وفي القلب وفي الثنايا والثواني..
كان بهي الحضور.. كلما تكلم رفرفت أجنحة وصفقت.. وتفتحت قلوب وارتوت..
الصديق الراحل قبل أيام «جهاد الغربللي»..
لم أعرفه قديما من عمري ولا من عمره.. ولكن تعارفنا في سنوات النضوج.. وواحدتها عقد من سنوات الشباب واقتربنا كثيرا وثالثنا الصديق «فريد العثمان» وهو إلى الراحل «جهاد» أقرب مني وأكثر تلاقيا بحكم تواجدهما في الكويت بينما أنا قررت البقاء على مبعدة قريبة منها..
وكان آخر لقاء لنا نحن الثلاثة في شهر مارس الماضي في زيارتي الأخيرة إلى الكويت..
كنت أعلم أنه عليل يخفي عن الناس علته وحقيقة مرضه حتى لا يكدرهم.. ولاحظت في لقائي الأخير به تغيرات بادية عليه بوضوح.. فلقد فقد الكثير من قدراته الجسمانية وأهمها النظر بسبب الأدوية التي يتناولها لمكافحة المرض وهو الذي يشكل له النظر نافذته إلى الحياة وإلى المعرفة حيث يقضي الليل كله وحتى الفجر في القراءة.. وقراءاته متنوعة.. يقرأ في كل العلوم والمباحث والفنون..
ورغم بعدي عن الحياة الرياضية وتفاصيلها فإنني أطرب حينما يتحدث عن الرياضة بحكم كونه رياضيا إداريا قديرا له فلسفة في الرياضة ولا يكتفي بكونها تسلية أو أداء جسديا.. بل هي عنده غير ذلك وأعمق..
أنا لا أنعي هنا صديقا ولا أحتكر هذه المساحة لرثاء من أحببت.. ولا أستحلب العيون القارئة كي تصب في ماعون حزني دمعها.. ولكنما أرثي إنسانا أحبته الحياة.. صديقا لكل الناس حتى للوجوه العابرة..
وفوق كل ذا وذاك.. هو بطل من أبطال المقاومة المدنية أثناء الاحتلال العراقي.. وكان ساهم في الجانب الطبي بنقل الجرحى والمرضى في سيارة الإسعاف التي يقودها إلى حيث يتعالجون وهي المهمة الأخطر رغم وجهها المدني لأن الغزاة بلا قلوب يتعاملون مع سيارة الإسعاف كما لو كانت دبابة مدججة..
رحلت يا «جهاد» وما علمت أنك برحيلك ألبستني قميص حزن لا يبلى..
حملت بموتك سلام الأرض إلى جوفها.. فسلام يا جوف الأرض ألف سلام.
[email protected]