الانسحاب ولو بشكل مؤقت إلى الماضي وإلى الذكريات، يغذّي حاضر الإنسان ويطري عواطفه ويرقق أحاسيسه.
وهي عملية تجديدية للمحافظة على الحس الإنساني لدينا، وكي لا ننصرف إلى الحاضر وننغمس فيه بشكل لا يسمح لنا بالالتفات إلى الوراء قليلا.
وأنا اليوم سأنسحب إلى ماض بعيد أحسبه جميلا وهو كذلك فعلا سأطل على شخصية كويتية أثرت فينا وأغنت نفوسنا ولكن تلاشى اسمها في زحام الحياة المليئة بوجوه خالية التأثير.
«عبدالعزيز البصري» أو «عبدالعزيز عبدالله المعتوق» رجل من تراب هذه الأرض ومن ملح بحر هذي البلاد، خليط كويتي أصيل أثمر هذا الرائع العفوي الجميل.
قد لا يعرفه كثيرون من الكويتيين ممن يقرأون هذه المقالة، لأنهم لم يعيشوا زمنه البهي الأبيض ولم يدق أبواب قلوبهم ما جادت به رقة قلمه وعذب صوته وشجي لحنه.
هو شاعر عفوي وملحن عفوي ومغنٍّ عفوي، وأعني بالعفوية الثلاثية، أنه صار شاعرا ليس لأنه يريد أن يصير شاعرا بل كان الشعر سجية فيه، لم يدرس بحوره ولم يختبر أوزانه، وصار ملحنا لأن الألحان بنت صوته لا يستعيرها من خارجه، وكذلك غنى بعفوية شديدة وبتلقائية قد لا تطرب ولكنها تعبر عن المضمون المغنى.
ساد الساحة الشعرية الشعبية الكويتية بوجود ملكها ومالكها وسيدها «فهد بورسلي»، هو لم يضع نفسه قرب بورسلي ولم يقل كتفي بكتفه، ولكن ما أبدعه في زمن بورسلي وبعده يقول ذلك. وهو فوق ما يقوله من شعر ملحن ومغن، وأرجو أن أوضح معنى ملحن فهو ملحن عفوي يترنم بالكلمات التي يكتبها ويصوغها على إيقاع فن السامري.
وذاكراتنا تحفظ له كثيرا من أغانيه التي غدت اليوم تراثا غنائيا كويتيا، مثل «أنا ودي ولكن ما حصل لي» و«أنا البارحة يا سعود» و«سلمولي على اللي حبهم بالضمير» و«يا هل الحي من فيكم يودي الوصية» ولعل أشهر أغنياته «يا بو فهد» التي غناها بصوته ثم غنتها حورية سامي وكذلك عوض دوخي، وقد غنت الفنانة المصرية نجاة الصغيرة في جلسة خاصة أغنيته «يا هل الحي».
وما زال في جعبتي ما أقوله عن هذا الفنان لذلك سأخصص له مقالتي القادمة.
[email protected]