إن الساعة معبأة بما يكفيها من أحداث، والعظماء وحدهم قادرون على إعادة صوغ الأحداث بما يتوافق والمصالح القومية لأوطانهم..
التاريخ لا يصنع قائدا، لكن القائد الاستثنائي هو من يكتب التاريخ..
صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان (الذي يمتلك ثقافة الإرادة)، يعيد اكتشاف شخصية المنطقة، وأجزم بأن شعوب الإقليم، بل والأمتين العربية والإسلامية، يتوسمون فيه خيرا لانتشال المنطقة مما هي فيه من تشرذم وتشتت.
إن البيان السعودي- الإيراني الذي أعلن عنه يوم الجمعة الفائت، برعاية صينية، هو حتماً ليس بيان إعلان نوايا أو بيان تغلف كلماته ضرورات اللياقة الديبلوماسية، إنه بيان «عبقرية السلام» الذي يعيد تشكيل الإقليم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومخطئ من يعتقد أن التقارب السعودي- الإيراني لمصلحة للبلدين فقط، بل والإقليم برمته، فهذه المنطقة لطالما استنزفت مواردها طوال عقود خلت وتحديدا منذ عام 1980 مع اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية واستمرت في الاستنزاف المرعب إلى أن أتى جنون الخريف العربي الذي أهلك الحرث والنسل، فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية التي أطاحت بشاه إيران دخلت المنطقة بحروب شتى أعنفها وأشرسها هي الحرب الطائفية والعرقية، لقد خلقت «تفكيرا جمعيا» لدى الناس، وهو أمر جلل من الصعب تجاوزه في فترة وجيزة، لأن هناك من ولد وتربى على هذا التفكير الجمعي المدمر.
ولكن العظماء وحدهم قادرون على إعادة كتابة التاريخ بما منّ الله عليهم من قدرات لا تتوافر في الإنسان العادي.
في مقال سابق، قلنا «إن الإنسان النابغة يختزن في أعماقه مكامن إبداعية تفوق ما تمنحه الجغرافيا للبلدان، لأنه يسخّر ما منحه الله من إمكانات إبداعية لخدمة أمته».
إن مرارة الاحتراب الطائفي والعرقي ما برحت تملأ أفواه شعوب الإقليم، ولا يوجد من لديه قدرات للأخذ بشعوب الإقليم إلى بر الأمان سواك، أنت وحدك تستطيع صوغ «عبقرية السلام».
> > >
إن البيان السعودي- الإيراني ليس وليد يومه، بل سبقته جولات عدة تخللتها جلسات مكثفة بدأت عام 2021 في العراق وعقدت نحو 6 جولات برعاية رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، واستؤنفت الاجتماعات في سلطنة عمان ثم استكملت في بكين.
الرعاية الصينية لبيان «عبقرية السلام» يشي بأن عالما جديدا آخذا في التشكل، وهو ما يعني بالضرورة سلاما جديدا واقتصادا جديدا.. وثقافة شعوب جديدة.
> > >
إن الواقعية السياسية أملت ثقافتها في هذا التقارب وعلى دول المنطقة قراءة هذه الواقعية، ومن يعتقد أن التقارب السعودي- الإيراني هو مصلحة للبلدين، عليه مراجعة حساباته.
بهذا التقارب أصبح ميزان القوة مائلا باتجاه غرب آسيا، وعلى من لا يستوعب هذا المتغير سيفقد عمقا إستراتيجيا.
لبنان الذي يشهد تدهورا مرعبا عليه أن يراجع حساباته، ولعل تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان شخّصت ما يعانيه لبنان حين قال: «إن لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني- لبناني، وليس تقاربا إيرانيا- سعوديا».
> > >
إيران دولة جارة وتطل على الخليج العربي ولديها سواحل تمتد لنحو 2400 كيلومتر، وتشرف على مضيق هرمز الذي تعبره نحو 20 ألف قطعة بحرية سنويا، ولديها إمكانات ضخمة على المستوى البشري أو على المستوى الاقتصادي، فهي تملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز وعضو مهم في «أوپيك»، لذلك نأمل أن يتم استغلال اقتصاد المنطقة بما يخدم رفاهية شعوبها، وإيران تمتلك تاريخا متفردا وأغنت المكتبة الإسلامية بآلاف الإبداعات، ولو لم تنجب سوى ابن سينا والفارابي والبخاري وعمر الخيام وابن الرومي وسيبويه وابن المقفع وحافظ الشيرازي وسعدي والرازي لكفاها فخرا.
> > >
ملف المفاوضات بين السعودية وإيران والذي خضع لجلسات مكثفة تطرق إلى نقاط عدة منها:
- توقيع اتفاقية التعاون الأمني، وبشكل أخص عدم المساس بشؤون الدول الداخلية.
- وقف دعم الميليشيات في المنطقة.
- مراجعة سلوك إيران في المنطقة خلال شهرين لعودة السفراء وتطبيع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية.
- الوصول إلى تسوية في العراق وسورية واليمن ولبنان والعمل على نزع سلاح الميليشيات بإشراف مباشر من الصين.
ومن المرجح أن يتم تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين الرياض وطهران الموقعة في 17 أبريل 2001.
> > >
يا صاحب السمو الملكي الأمير محمد.. كثيرون هم وأنت كلهم.
فشعوب المنطقة تتطلع لأن تعيد لها أمنها واستقرارها.. لك المجد.