توصف الديموقراطية بأنها «أفضل الأنظمة السيئة التي عرفتها البشرية» وهذا الوصف سليم ولا غبار عليه، وقد تأكدت البشرية من صحته في المجتمعات المتقدمة حيث أينعت أزاهير ذلك النظام الديموقراطي الفذ وحصد الناس خيراته الوفيرة. أما في المجتمعات التي يهيمن عليها التلفيق والتسحير والخرافة والعصبيات وتئن تحت وطأة ثقافة الكراهية فإن التعريف السليم للديموقراطية أنها «أسوء الأنظمة الجيدة» فإن أردت بمجتمع سوءا ورطه في ممارسة «الديموقراطية المتوحشة» التي تحول صندوق الانتخابات إلى «صندوق باندورا» حسب الأسطورة الإغريقية.
>>>
من صندوق باندورا تخرج الشرور جميعها والعاهات والأمراض والمساوئ والأخطار، فلا تبقي ولا تذر. تأكل الأخضر واليابس وتعصف بالمجتمع عصفا، وتقلب عاليه سافله حيث الناس يمارسون «الديموقراطية» بذهنيات تجهل الديموقراطية وتكره الحرية، أناس تتملكهم أرواح تنهشها الكراهية وعقول تشدها العصبية ونفوس مأزومة ووجوه مكفهرة. فيصبح يوم الاقتراع يوما للثأر والقصاص من الأقليات الدينية والاجتماعية والعرقية والفكرية، فتمسي البساتين خرائب، وتجف الحياة في عروق المدينة ليبقى الشرير وحده يجول بين أدخنة الحرائق يفتش عن طريدة ناجية كي يجهز عليها بمنجله المسموم.
>>>
عذرا.. إنها صورة مرعبة بيد أنها حقيقية. ذلك انه من الخطأ الجسيم والخطر العظيم استيراد الديموقراطية لأنها «فقط» قابلة للاستزراع لا للاستيراد. فان زرعتها في أرضك وسقيتها ورعيتها بإيمان فسوف تقطف منها ثمارا طيبة كثيرة وفيرة. أما إن استوردتها إلى بلادك من باب التفاخر والديكور أو قذفت بها صوبك رياح (الجحيم العربي) فلن تحصد منها سوى العاصفة والشقاء المرير. فالديموقراطية تتطلب مقدمات اجتماعية واقتصادية وسياسية تغرسها الحكومات في المجتمع كي تنتج شعبا ديموقراطيا. أما قبل الحديث عن هذا «الشعب الديموقراطي المفقود» فكل جملة تقال في هذا المجال هي بالضرورة جملة غير مفيدة.
www.salahsayer.com
@salah_sayer