يتحدث الجميع عن ضرورة إصلاح الخطاب الديني في المجتمعات العربية، لكن لا أحد يشير إلى الأخطر من الخطاب، وأقصد «الخطباء» أنفسهم من الذين يحملون الخطاب إلى الناس سواء في متون الكتب التي يؤلفونها أو عبر الأحاديث والخطب المصورة والمذاعة. فمن الملاحظ في مجتمعاتنا العربية انها تحرص على المؤهل العلمي للطبيب أو المهندس أو المحاسب في وقت لا أحد يسأل الداعية أو رجل الدين عن المعارف والعلوم التي نهل منها. وكأن الخطاب الديني «وكالة من غير بواب» يدخلها كل من يشاء متى يشاء، بلا حسيب أو رقيب. ولهذا نجد العديد من الدعاة يتحدثون بتبسيط مخل وخفة فاضحة عن قضايا صعبة ومعقدة شائكة.
***
لتقريب الصورة أكثر أشير إلى سيد قطب، رحمه الله، الذي يعد من أشهر المفكرين الإسلاميين في المجتمعات العربية والذي لو قمنا بتفحص السيرة العلمية والعملية له لما وجدنا أكثر من شهادة في دراسة الأدب وسنوات عمل متقطعة في مجال التعليم وزيارة يتيمة ومبهمة إلى أميركا، بالإضافة إلى كتابات منوعة في مجال الشعر والفنون والنقد والقضايا الاجتماعية وختمها بكتابات في (الفكر التكفيري) وجميعها كتابات انطباعية لا قيمة علمية حقيقية لها، ولا تقارن بمؤلفات مفكرين مثل نصر حامد أبو زيد أو محمد اركون الذي يقرأ بالانجليزية والعربية والفرنسية في حين لا يجيد العديد ممن يوصفون بالمفكرين والدعاة سوى لغتهم الأم.
***
قبل الالتحاق بالدراسة في معاهدها تفرض إحدى الديانات الهندية على الطالب البقاء وحيدا وصامتا لمدة نصف عام كي يثبت قدرته على تحقيق الصفاء الروحي. أما في مجتمعاتنا فلا حدود تفصل الداعية أو الخطيب أو رجل الدين عن الدنيا وملذاتها وتفاصيلها. وأختم بمثال من سيرة البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث، الذي درس التاريخ الفرعوني والإسلامي في جامعة الملك فؤاد، والتحق بالكلية الإكليركية وعمل مدرسا للعربية والانجليزية، وكان تلميذا ومعلما في كلية اللاهوت القبطي، وعمل أمينا لمكتبة المخطوطات في دير السريان، كما عمل رئيسا لتحرير مجلة «مدارس الأحد» وهو يتابع دراسته العليا في علوم الآثار. والمعلوم عنه انه عاش حياة الوحدة والتأمل والصلاة في مغارة وأمضى عشر سنوات في الدير لم يغادره.
www.salahsayer.com
salah_sayer@