تبدو مجتمعاتنا العربية في تعاملها مع الارهاب الجهادي كمثل الشخص الذي فقد محفظته في شارع مظلم فسارع إلى البحث عنها في شارع اخر توجد فيه اضاءه! فكلما حدثت عملية ارهابية راح القوم يتحدثون عن التطرف ويشيرون بأصابع الاتهام إلى الجماعات الدينية المتطرفة لأنها الحلقة الأضعف والحديث عنها كالشرب من ماء السبيل متاح لجميع الراغبين وذلك امر يكشف حجم المسكوت عنه في هذه المجتمعات التي يصر افرادها على عدم البحث عن المحفظة في الشارع المظلم الذي فقدت فيه، والتحدث صراحة عن السبب وراء ظهور الارهاب الجهادي.
****
الجماعات المتطرفة لم تأت من فراغ، ولم تخرج من المصباح السحري، ولا هي خلايا سرية زرعها الاعداء تحت جنح الظلام. فهذه الجماعات تعكس افكارا انتشرت في مجتمعاتنا وانتجت قيما وسلوكيات وجماعات متطرفة انتجت بدورها الارهاب الجهادي.
وقد انتشرت الافكار برعاية الحكومات العربية وتحت بصرها وبرغبة منها. فلم تتسلل الأفكار خفية بل دخلت من الابواب المشرعة «على عينك يا تاجر» في التعليم والاعلام والاقتصاد والتجارة وسائر مناشط الحياة العربية منذ ان حبس جمال عبدالناصر الاخوان المسلمين واطلق افكارهم في المجتمع. وأصبح التمسح بالدين شأنا من شؤون السياسة. ولعل التذكير بلقب «الرئيس المؤمن» يختصر علينا طول الشرح.
****
جماعات الاسلام السياسي بمختلف تجلياتها وعناوينها الفرعية لا تملك اقمارا اصطناعية للبث التلفزيوني الفضائي أو اذاعات تبث من خلالها برامجها الخاصة كي تصل إلى الناس، وليست لديها مدارس تعلم فيها مناهجها الخاصة، كما ليست لديها سلطة على المصارف والمساجد والادارات والمصالح والاحزاب واللوائح والقوانين بعكس «الحكومات العربية المتعاقبة» التي تملك كل ذلك وبالتالي تتحمل، وحدها، مسؤولية هذا الواقع المأزوم عندما تراخت وغفلت عن المواجهات الذكية وحسبت ان التحالف مع الشياطين يجعلها في مأمن منهم. فبدت كذلك المغفل الذي يبارز العدو نهارا ويتحول في الليل إلى حداد يصقل للعدو المزيد من السيوف!
www.salahsayer.com
salah_sayer@