تحدث المحاضر الكويتي عن سلبيات الفترة الناصرية التي هيمنت على المنطقة العربية ردحا من الزمن، فعقب عليه احد الحضور يذكره بموقف جمال عبدالناصر الرافض لتهديدات عبدالكريم قاسم للكويت! وفي بيروت انتقد صحافي لبناني السياسة الخارجية الكويتية فكتب صحافي كويتي مقالا يذكر زميله بالمساعدات والهبات الكويتية للبنان! وفي الصحافة العربية في لندن نشر كاتب فلسطيني مقالا ينتقد النظام السوري فرد عليه كاتب سوري يذكره بموقف بلاده من اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة! وحتى في المشادات الخليجية تجد من يلجأ إلى التاريخ ليذكر اخوته في الخليج بما قدمته دولته لهم في أزمنة سابقة.
***
هذا التذكير يبدو كما «الرشوة» التي تعطى لصاحب الرأي كي يبدل رأيه بعد أن أمست أراء الحاضر مرهونة بما حدث في الماضي. فنتيجة لما حدث قبل عقد من الزمان أو قرن يتحدد موقف الانسان اليوم. فما عاد الرجال والدول يعرفون بالحق بل اصبح الحق يعرف بالرجال وبالدول. فإذا سبق لدولة ما أن تحالفت مع بلادي في حقبة ما، أو منحتها قرضا، أو انها ابتعثت معلمين إلى مدارسنا في الماضي فان سياستها اليوم جيدة. اما اذا كان لا ينطبق عليها ذلك فسياستها خاطئة والتهجم عليها واجب وطني. ففي مجتمعاتنا ليس الدواعش وحدهم الذين يتمترسون في الماضي.
***
انه فكر مريض هذا الذي يقف وراء المواقف المريضة التي تدفع الإنسان إلى التفاخر على الآخر بسبب ان بلاده قدمت «كذا ومذا» في الماضي. فهذه الذهنية لا تشبه ذهنية الناس الأصحاء الذين يقيسون جودة الموقف أو صحته بناء على ما يحققه من مصالح راهنة أو مستقبلية. فلا تقاس المواقف بما حدث في الماضي الذي له ظروفه ومعطياته التي تختلف عن الحال الحاضر. بيد ان ثقافة التفضل والمنة على الآخرين تبقى سيدة الموقف وتهيمن على عوالمنا، حيث الجميع يتمحك بالماضي والتاريخ و«كنا وكنتم وفعلنا لكم وفعلتم»، وقلما يوجد من في مقدوره تقييم المواقف بعيدا عما حدث في أروقة التاريخ.
www.salahsayer.com
@salah_sayer