لا يمكن أن تتحقق أي نهضة إعلامية من دون قدر مناسب من الحريات، ولهذا فإن ملف الحريات ظل يستأثر بأغلب الاهتمام في مجتمعنا الكويتي حين يرد الحديث عن المجال الإعلامي وهمومه وانشغالاته.
لكن الإعلام لا ينهض بالحرية فقط، وإن كانت هي الأكسجين الضروري لبقائه وازدهاره، فثمة عوامل أخرى من الضروري توفيرها للوصول إلى منظومة إعلامية رشيدة في أي مجتمع من المجتمعات.
اليابان وإيطاليا ونيوزيلندا والدول الاسكندنافية لديها أفضل المعايير الحقوقية في العالم، ويتمتع إعلام كل دولة من تلك الدول بقدر عال من الحرية والانفتاح، لكنها لا تقدم نماذج إعلامية رائدة وفعالة.
وعلى العكس تماما، تأتي المنظومات الإعلامية الأميركية والبريطانية والفرنسية في المقدمة عند الحديث عن النفاذ والتأثير والانتشار، رغم ما يعتري أداءها أحيانا من قصور في ملف الحريات.
إن كلمة السر في هذا التقدم يمكن صياغتها من مقطعين، وهما: الحرية، والتنظيم.
تقوم أي منظومة إعلامية رشيدة على درجة عالية من التنظيم، والمقصود بالطبع ليس التقييد، وترسانات القوانين المكبلة للحريات، وجزاءات الحبس والغرامات الموجعة.
إن تنظيم المجال الإعلامي في أي مجتمع رشيد ينطلق من أهمية الوفاء بالوظائف الأساسية للنشاط الإعلامي، وفي القلب من هذه الوظائف تأتي وظيفة الأخبار، التي تتحقق من خلالها المعرفة، فتتحسن قدرة المواطنين على فهم الأحداث، واتخاذ القرارات الصائبة.
يقوم الإعلام الخاص بدور كبير لا يمكن الاستغناء عنه في تعزيز المجال الإعلامي، لكن الإعلام العام (المملوك للدولة)، والذي نسميه في الكويت للأسف «الإعلام الحكومي» يقوم بالمهمة الأكبر في هذا الصدد في أي مجتمع رشيد.
نشأ مصطلح «الخدمة العامة» في المجال الإعلامي في العالم الغربي عشية الحرب العالمية الثانية، وكانت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» هي المثل الملهم في هذا الإطار.
إعلام الخدمة العامة هو الإعلام المملوك للمواطنين، والذي تقوم الدولة نيابة عنهم بإدارته والإشراف عليه وضمان تحقيق أهدافه.
إن ترك الإعلام العام لسيطرة السلطة التنفيذية يخل بإمكانية أداء دوره والوفاء بوظيفته، لأنه ببساطة يصبح تعبيرا عن إرادة تلك السلطة، وليس تعبيرا عن إرادة المواطنين.
لهذا السبب تقوم الدول التي تتبنى مفهوم الخدمة العامة بمنح سلطة الإشراف على أداء وسائل الإعلام العامة لهيئات مستقلة، وهي فريضة غائبة في دول العالم العربي، ومنها الكويت للأسف.