عندما استغنى ملك البرتغال مانويلو عن خدمات ماجلان وفهم ماجلان أن بلاط البرتغال يرحب بالاستغناء عن خدمته ورأى أن من مصلحته أن يحلق بجناحيه في جو الحرية ويعيش من أجل نفسه، بقى ماجلان بعد رفض المالك سنة كاملة في البرتغال وكان كثير الاتصال بالبحارة القادمين من البحار الجنوبية وكثير التردد على المكتبات لمطالعة الخرائط الجغرافية والتقارير والكتب الخاصة بالرحلات الأخيرة إلى البرازيل.
وتوثقت عرى الصداقة بين ماجلان وشاب يدعى روي فاليرو وهناك تفاوت بين أخلاق الرجلين فاليرو سريع التأثير عصبي المزاج متكبر مشاكس على عكس ماجلان الصامت الهادئ الغامض.
قضى فاليرو حياته في دراسة الخرائط الجغرافية والرسوم ومطالعة الكتب وهو أبرع من رسم خريطة البرتغال ولكنه يجهل كل شيء عن مهنة البحار وعمله ويعرف كل شيء من الناحية النظرية.
وتناقش ماجلان وفاليرو عن فكرة البحث عن طريق يصل بين البرتغال وجزر التوابل من الغرب لا من الشرق فلا يطوفان حول أفريقيا بل يدوران حول أميركا الجنوبية وقد كانت الخرائط الجغرافية المتداولة ترسم أميركا الجنوبية متصلة بالقطب الجنوبي ولم يكن أحد يفكر في إمكان اجتياز المحيط الأطلسي والانتقال منه إلى المحيط الهادي في سفينة واحدة أما ماجلان فإنه يعتقد أن هذا ممكن واستنتج ماجلان أن هناك ممرا ما بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي من خلال اطلاعه على خرائط وصفها مرتان بيهايم وهو رسام الخرائط الجغرافية في المكتبة الملكية.
ولم يصل أحد إلى الممر المائي قبل ماجلان والذي اكتشفه ماجلان وأطلق عليه اسمه مضيق ماجلان في أقصى جنوب أميركا الجنوبية، رأى ماجلان أن يضع خطة لمشروعه والوصول إلى جزر التوابل عن طريق الغرب وليس عن طريق الشرق ولم يجد أحدا من أصدقائه وأصحاب السفن البرتغاليين المساعدة المنشودة ولرجل مغضوب عليه في البلاط البرتغالي ولم يجد أمامه غير وسيلة واحدة أن يعرض مشروعه في إسبانيا وأن يقدم لإسبانيا صكا بملكية جزر التوابل.
في سنة 1517م بدأ ماجلان ينفذ خطته فغادر وشريكه فاليرو البرتغال إلى إسبانيا في ميناء إشبيلية وهذا الميناء هو عتبه الهند.
وأسس ملك إسبانيا مؤسسة «بيت الهند» تحت إشراف الحكومة وكل من أراد رحلة جديدة أن يذهب أولا إلى بيت الهند ليحصل على الإذن والمساعدة.
واتضح لأعضاء المجلس في إسبانيا أن ماجلان ليس من أولئك المغامرين الخياليين الذين يسعون وراء الأوهام وأنه يعرف ما يقول ويثق به فقد بسط وجهة نظره بدقة ووضوح وأبرز ما لديه من وثائق ليثبت للمجلس أن الطريق إلى جزر التوابل من الغرب أقصر من الطريق إليها من الشرق وأن هناك ممرا مائيا يصل بين المحيطين وتستولي إسبانيا على مصدر تلك الكنوز البعيدة ويصبح ملك إسبانيا أغنى ملوك الأرض قاطبة.
في 22 مارس 1518م وقع الملك شارلكان ملك إسبانيا على العقد المبرم بين التاج من ناحية وماجلان وصديقه فاليرو من ناحية أخرى.
مانحا ماجلان وفاليرو حق احتكار الملاحة دون سواهما في البحار المجهولة في الغرب وتعهد الملك بأن يجهز خمس سفن برجالها ومؤونتها وأسلحتها عامين كاملين وأن يطلع جميع موظفي الدولة على فحوى العقد لكي يقدموا لماجلان وفاليرو كل مساعدة يحتاجان إليها هكذا أصبحت الدولة الإسبانية بأسرها رهن إشارة المغامرين البرتغاليين المجهولين بالأمس.
وحاولت البرتغال إعاقة ومنع وعرقلة الرحلة من قبل ملك البرتغال مانويلو وعهد إلى سفيره في إسبانيا في بذل كل طاقته للحيلولة دونها بالدسائس والحسد لكن كل المحاولات باءت بالفشل وقد عبر ماجلان عن مشروعه أنه قد فات الأوان لأنه قطع عهدا لملك إسبانيا ولابد من الوفاء بالعهد.
ولم ييأس ماجلان إذ أصبح محاصرا بالأعداء على ظهر سفينته، غير أن هذا الشعور لم ينل من إرادته الحديدية بل زادها صلابة وشحذ همته وشجاعته فالربان الذي يرى العاصفة مقبلة يعلم أن خير وسيلة لإنقاذ السفينة وركابها أن يقبض بنفسه على قيادة دفتها.
فالحملة تكون بقيادته ولا يشاركه فيها أحد وتخلص ماجلان من صديقه فاليرو ووضع فاليرو بين يدي ماجلان خرائطه ورسومه ووثائقه وأصبحت الحملة منذ تلك اللحظة عملا خاصا بماجلان دون سواه كل شيء تابع له وهو مسؤول عن كل شيء وعندئذ فقط شعر بالفرح يغمر نفسه لأنه استقل بتحقيق مشروعه العظيم دون شريك ينازعه شرف النصر المرتقب.
[email protected]