ذعار الرشيدي
«أرفع عليهم قضية عشان يتسنعون هالصحافيين» هذه الجملة هي المفضلة والمتداولة بين أغلب القياديين في الحكومة هذه الأيام، وأصبحت تدور في مكاتب الوزراء أكثر من دوران النواب ومناديبهم بمعاملات الناخبين، بل وصل رواج تلك الجملة إلى أواسط المدراء ورؤساء الأقسام ومن في حكمهم، حتى انني أعتقد أنه لا أدخل دائرة حكومية إلا ويخيل لي أنني أرى أن الوزراء والقياديين عامة قد استبدلوا الجملة الأثيرة «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك» التي تعلق على المكاتب بجملة «أي واحد يبي يسوي روحه بطل وينتقد وزارتك حوكة بقضية».
لا أعرف من هو القيادي «البايخ» الذي فتح هذا الباب على مصراعيه ولكنني أعرف أن أي قيادي من قياديي هذه الأيام يجري ثلاثة اتصالات صباح كل يوم، الأول يستفسر فيه عن آخر أخبار المناقصات الكبرى في وزارته والثاني ليعرف ماذا يوجد في البريد المستعجل وحول أعمال جلسة الوزراء والثالث وهو الأهم هو الاتصال الذي يجريه مع مسؤولي الشؤون القانونية في وزارته يبلغهم بضرورة تحريك دعوى قضائية ضد كاتب انتقده أو انتقد وزارته، وهذه ليست نكتة بل هو الواقع كما يحدث يوميا.
وينقل لي أحد المصادر العاملين في الشؤون القانونية في إحدى الوزارات أن الوزير يتصل بهم ويأمرهم بتحريك دعوى قضائية ضد كاتب معين أو صحيفة، سألته ألا يستأنس الوزير برأيكم طالبا معرفة وجهة نظركم القانونية في جدوى رفع الدعوى خصوصا أن ما كتب من نقد في الصحافة يحتمل حدود النقد المباح، ليجيبني المصدر: «نبلغهم في أحيان كثيرة أن الأمر لا يحتمل أكثر من نقد مباح ولا يوجد ما يستحق تحريك دعوى قضائية غير أن الوزير وأحيانا مدير مكتب الوزير يكون رده مضحكا بحيث يطلب منا تحريك الدعوى حتى وإن كانت لا تحتمل كثيرا من النقد معللا ذلك بأن (مشورة) الصحافي جيئة وذهابا إلى قصر العدل ستكون كفيلة بتأديبه حتى وإن ردت المحكمة الدعوى المهم أن يذهب إلى النيابة».
هذه عقلية كثير من القياديين هذه الأيام، وهي محاولة زرع الرعب أو الخوف أو حتى جعل الصحافي أو الكاتب يتردد عشرين ألف مرة قبل أن يشرع بانتقاد تلك الوزارة أو ذلك القيادي خاصة أن التحقيق يعني أن تستيقظ صباحا بينما الصحافيون لا يستيقظون إلا في الساعة الثانية عشرة ظهرا وهو أمر مزعج إلى حد ما بالنسبة لهم.
أعلم أن ثلاثة أرباع الزملاء وخلال الـ 12 شهرا الماضية حلوا ضيوفا على قصر العدل للتحقيق معهم في قضايا أقل ما يمكن أن توصف به أنه لم يكن هناك من داع لتحريكها أصلا والدليل أن اغلبها تنتهي برد الدعوى أو البراءة.
سياسة «لو دامت لغيرك.. ما وصلت إلى المحكمة» شعار القياديين هذه الأيام، ولكن نصيحة لجميع القياديين في الحكومة، من حقكم رفع قضية ضد من ترون أنه أساء لكم أو نقل معلومة خاطئة ولكن قبل ذلك استمعوا واستأنسوا برأي الخبراء القانونيين في إداراتكم القانونية، استمعوا لهم ولا تأمروهم بضرورة تحريك دعوى فهم أخبر منكم بالقانون وأعرف منكم بمراحل بمواد القانون وتكييف القضايا، و«سنعوا» وزاراتكم قبل أن تبحثوا «تسنيع» الصحافيين الذين يقومون بدورهم في كشف أخطائكم وأخطاء وزاراتكم والتجاوزات تزكم أنف 20 ألف ديناصور.