لن تكون «الجيكرة جدا» بنت وهبي أول ولا آخر من يحاول تمرير كلمة عنصرية ضد النوبيين حتى ولو كان أمرا غير مقصود، فقد سبقها الكثيرون بدءا من علي الكسار ـ رحمه الله ـ في أفلامه وبقية ممثلي الدرجة الثانية الذين أدوا أدوار السفرجية في عدد من أفلام الأبيض والأسود المصرية وقليل من أفلام الألوان قبل ان تختفي تلك النظرة العنصرية إعلاميا على الأقل لفترة طويلة ضد أهل النوبة خاصة والعرب ذوي البشرة السمراء عامة.
وللأسف فان كثيرين من أمة الضاد لا يعرفون أي شيء عن النوبة التي تقع في قلب شرقهم الأوسط بينما الأميركيون الذين يبعدون آلاف الأميال يعرفونها «عز المعرفة» حتى انهم في كثير من أفلامهم يوردون شيئا عنها إما في حوار عرضي أو حتى في سياق قصة فيلم ولكن كما تبلغنا أفلامنا فلا نعرف عن النوبة سوى انها مصدر رئيسي للبوابين والسفرجية السذج، وهو الأمر الذي ينفيه التاريخ العريق للنوبة بل وحتى التاريخ الحديث لأبناء النوبة والذي تستشهد به الأفلام الأميركية وتبرزه وتروج له دون قصد أحيانا، ففي أحد حوارات فيلم للممثل الأميركي الشهير ويل سميث يوجه كلامه الى شريكته في الفيلم متغزلا بها «تبدين كملكة نوبية»، وفي فيلم آخر تقول ممثلة سمراء أذكر جملتها ولا أذكر لا الفيلم ولا اسم الممثلة «حلمت انني أعيش في مملكة النوبة» وتأتي الجملتان في سياق نوع من استحضار إرث ثقافي يجهله كثير من العرب، وهو أمر لم يأت من فراغ فبحسب عدد مجلة ناشونال جيوغرافيك والتي صدرت في فبراير العام الماضي عرضت موضوعا مستقلا عن الفراعنة السود وهم سلالة الملك
النوبي «بعانخي» الذي حكمت سلالته مصر لمدة 75 عاما وعرفت باسم الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين وامتد حكمها من الخرطوم جنوبا حتى الدلتا شمالا.
للأسف انه حتى التاريخ الحديث للنوبيين لا يعرفه الكثيرون أيضا وهو ان اللغة النوبية عرفت باسم «لغة النصر» في العام 1973، فقد استخدم الجيش المصري إبان التحضير لتحرير سيناء اللغة النوبية كلغة تخاطب بين القوات كنوع من الشيفرة والتي لم يتمكن الإسرائيليون من فك رموزها حتى كتب النصر للقوات المصرية وتم تحرير سيناء، وتاريخ النوبيين لا يتوقف عند لغة استخدمت في النصر الوحيد للعرب، بل يمتد الى ما لا يمكن لمقالة واحدة ان تكفيه فمن بين أعلام النوبة من كان لهم تأثيرات على الفن والسياسة والعلم والدين.
لدينا مثل عربي نستخدمه دائما ولكنه لا يظهر في نوافذ الإعلام ولا أعرف السر وراء ذلك ولكنه مثل شائع يتداوله العرب من الخليج شرقا وحتى المحيط غربا عندما يتناولون في الحديث شخص أسود تجدهم يختمون عادة حديثهم عنه قائلين: «بشرة سوداء.. وقلوب بيضاء» واعتقد ان هذا ينطبق تماما على جميع النوبيين سلالة الفراعنة السود الذين حرمنا تاريخنا المكتوب من أن نعرف الكثير عنهم مما يستحق ان يعرف ويقال ويعلن.
[email protected]