بقلم: إلياس فرحات
عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني
اعلن في يناير 2009 عن تشكيل موحد لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية بعد مبايعة «مجاهدي بلاد الحرمين» لإمارة القاعدة في اليمن والعمل معا تحت اسم واحد هو «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، واعلن اليمني ناصر الوحيشي اميرا لهذا التنظيم. كما اعلن مصدر اعلامي للقاعدة في حديث في مركز فجر الاسلام وموقع مؤسسة الملاحم عن مسؤولية التنظيم عن باكورة عمليات التنظيم الموحد وهي عملية استهداف السفارة الاميركية في صنعاء بتفجير سيارة يقودها انتحاري، باعتبارها «معقلا هاما من معاقل الحملة الصهيو صليبية على المسلمين في الصومال وجزيرة العرب والعراق وافغانستان وفلسطين» وكشف ان التنظيم يضم شبانا من بلاد الحرمين وغيرها من البلدان.
نائب الامير ابوسفيان الشهري الذي لم يكن مضى على اطلاق سراحه من معتقل غوانتانامو عشرة اشهر اوضح انه «تمكن من الخروج من بلاد الحرمين والالتحاق بإخوانه في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب».
وكان ابوسفيان السعودي الجنسية يحمل الرقم 372 في معتقل غوانتانامو، قد افرج عنه مع مجموعة من المعتقلين وعادوا الى السعودية. ثم تسلل ابوسفيان عبر الحدود السعودية - اليمنية البرية التي يبلغ طولها 1458 كلم والتي يصعب ضبطها من قبل السلطات الامنية في السعودية واليمن.
استهداف المصالح الغربية
وحسب شبكة «سي ان ان» الاميركية اصدر ابوسفيان سعيد الشهري تسجيلا صوتيا في 9 مارس 2009 دعا فيه الى استهداف المصالح الغربية المنتشرة في الجزيرة العربية وطالب بالاستعداد لحرب مقبلة تستهدف التنظيم في اليمن بمشاركة اميركية غير مباشرة. وكشف الشهري اهتمام القاعدة بالسيطرة على مضيق باب المندب، معتبرا ان ذلك «سوف يغلق الباب ويضيق الخناق على اليهود» ودعا بقية المسلحين الى مواصلة القتال لتحقيق هذا الهدف، وشن هجوما عنيفا على الحكومات المصرية والسعودية واليمنية بدعوى دعمها للصليبيين.
وكان الشهري قد استهل حديثه بطمأنة تنظيم القاعدة في «خراسان» وهي الاسم القديم لباكستان وافغانستان وما يجاورهما حيث يعتقد ان زعيم القاعدة اسامة بن لادن يتواجد هناك، الى سلامة القيادة في فرع الجزيرة العربية وندد بالهجمات التي نفذتها صنعاء ضد عناصر التنظيم في مدن شبوة وابين ومأرب. وتحدث الشهري عن دور يهودي في استهداف عناصره وقال ان «اليهود يعملون من خلف الكواليس» واعتبر ان مؤتمر لندن الذي عقد في مطلع يناير 2010 لبحث الوضع في اليمن، اتخذ قرارا بشن حرب على تنظيم القاعدة في هذا البلد بقيادة اميركية وان ذلك سيجري بطريقة المواجهة غير المعلنة عبر جمع معلومات بواسطة طائرات التجسس. واضاف الشهري ايضا ان واشنطن سوف تلجأ الى خطة بترايوس (الذي كان قائدا للقيادة الوسطى الاميركية وحاليا قائد قوات حلف الاطلسي في افغانستان) التي اعتبر انها تقوم على ثلاثة محاور:
ـ تجييش المسلمين ضد بعضهم البعض وخلق ما يسمى بالصحوات.
ـ تشويه سمعة المجاهدين بالقيام بأعمال تخريبية كتفجير المساجد والاسواق.
ـ بث الجواسيس والقيام بإغراءات بالاموال لاستمالة عامة المسلمين عن طريق اجهزة الاستخبارات في الدولة اليمنية.
وحض الشهري القبائل اليمنية على مهاجمة من وصفهم بـ«العملاء الذين يتآمرون مع الصليبيين على المسلمين» واضاف «ان الفتن قد تلاطمت عليكم في جزيرتكم فالرافضة واليهود والنصارى والحكام الخونة المرتدون قد تكالبوا عليكم وكل يريد دينكم وانفسكم واموالكم واعراضكم وليس لكم مخرج من هذه الفتن الا الجهاد في سبيل الله». وشكر الشهري «حركة الشباب» الصومالية الذين عرضوا مناصرة تنظيمه.
السفن التجارية والعسكرية
وفي 23 مارس من العام نفسه حذرت مصادر استخباراتية اميركية من ان السفن التجارية والعسكرية التي تبحر مقابل السواحل اليمنية معرضة لهجمات من تنظيم القاعدة واشارت المصادر الى وجود روابط بين عمليات القرصنة التي تجري بشكل كبير على سواحل الصومال وتنظيم القاعدة في اليمن. لكن توماس كونترمان مساعد وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون الامنية والسياسية قال انه من الخطأ الربط بين عمليات القرصنة وتنظيم القاعدة، الا انه اقر بأن القاعدة قد تلجأ لهذا الاسلوب بهدف جمع المال اللازم لعملياتها بعدما تورطت، على حد قوله، في شبكات الاتجار بالبشر والمخدرات والسلاح. وعن الرابط بين تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وحركة الشباب الصومالية قال كونترمان: هناك تعاون بينهما لكنهما ليسا فصيلا واحدا وان النظر اليهما على هذا الاساس غير صحيح سياسيا.
كان هذا بداية التباين بين وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الاميركية حول القاعدة في اليمن والصومال الذي مازال مستمرا بانماط مختلفة.
ويكمن سبب هذه التباينات في المساحة الواسعة التي تقع فيها هذه الاحداث، فاليمن هو اكبر دولة في عدد السكان في الجزيرة العربية وهو افقر بلاد العرب ويعد تربة خصبة للتنظيمات الاصولية والحركات المتطرفة وله حدود طويلة مع السعودية وساحل بحري على البحر الاحمر وبحر العرب ويشكل انتشار القاعدة في مناطق الثروة النفطية هذه، تهديدا مباشرا للمصالح الغربية والأميركية، فهي متواجدة في المناطق الشرقية والجنوبية (مأرب، شبوة، حضرموت)، ومناطق السواحل اليمنية الجنوبية والغربية (أبين، عدن، الحديدة) التي تعد ممراتها ومضائقها المائية (البحر العربي، خليج عدن، باب المندب) من أهم الممرات الدولية، ولهذا تشكل القاعدة تهديدا مباشرا لمنابع الثروة التي تستثمرها الشركات الغربية والأميركية على الأرض، وتهديدا لمنطقة مرور القوافل التجارية والأساطيل العسكرية في البحر، كما ان الصومال له ساحل يمتد على البحر الاحمر وخليج عدن والمحيط الهندي بطول ثلاثة آلاف كلم.
ويقع باب المندب على المدخل الجنوبي للبحر الاحمر بين الساحل الصومالي والساحل اليمني وهو ممر اجباري وضيق نسبيا للسفن القادمة من قناة السويس ومن ميناء ايلات الاسرائيلي. اذا اخذنا بعين الاعتبار الوضع غير المستقر والمتدهور في الصومال بغياب سلطة الدولة المركزية وانتشار الفوضى في البلاد وخصوصا على امتداد ساحلها ندرك حجم مشكلة التهديد المستمر لحركة الملاحة في المنطقة التي تعبرها الزاميا 18 الف سفينة سنويا. كما تزداد عمليات قرصنة السفن لقاء فدية مالية رغم الاجراءات التي تتخذها القوات البحرية لبعض الدول لحماية مراكبها العابرة. اما ساحل اليمن الذي يمتد على بحر العرب والبحر الاحمر لمسافة 1900 كلم فهو يصعب ضبطه خصوصا ان القوات البحرية اليمنية حاليا غير كافية وغير قادرة على ضبط حركة الملاحة وعبور السفن في المياه الاقليمية والدولية على امتداد الساحل.
لقد ارادت القاعدة توحيد التنظيم في السعودية واليمن وتمركز قيادته ومعظم عناصره في اليمن وتحديدا القسم الجنوبي من البلاد مستفيدة من حالة الوهن التي اصابت السلطة المركزية في اليمن وازدياد اتكال الدولة على العامل القبلي لبسط سلطتها وتنفيذ قراراتها، وليس سرا ان الدولة اليمنية تعاني من مشكلة في الشمال حيث يبسط الحوثيون سلطتهم على معظم محافظتي صعدة وعمران وخاضوا ست حروب شاركت المملكة العربية السعودية في اخرها بعدما تطاولت هجمات الحوثيين على الاراضي السعودية والتي شهدت قيام القوات الجوية السعودية بشن غارات على مواقع الحوثيين ولا يبدو ان هناك في الافق ما يمنع من نشوب حرب سابعة لانه لا حل سياسيا دخل حيز التنفيذ على ارض الواقع والتسوية ابقت الوضع على ما هو عليه.
انفصال الجنوب عن الشمال
اما في الجنوب فـ «الحراك الجنوبي» يدعو صراحة الى الانفصال عن الشمال ويهدد بتحركاته الشعبية وحدة البلد ويعيد الى الاذهان حرب 1994 بين الشمال والجنوب.
ويشهد الجنوب بالاضافة الى التحركات الشعبية، اعمالا تخريبية وهجمات على قوات الامن المركزية وتمردا على سلطة الحكومة المركزية، هذا الوضع المتردي في اليمن اغرى تنظيم القاعدة بالانتقال الى ذلك البلد، ففي السعودية تعرض تنظيم القاعدة لملاحقة شديدة من قوى الامن التي اعتقلت العديد من قادته وعناصره كما احبطت العديد من العمليات التي كان ينوي القيام بها وكشفت شبكاته السرية ودهمت مخابئ اسلحة ومتفجرات وذخائر كما تم كشف المعتدين على السياح الفرنسيين قرب مدائن صالح واحباط هجوم على القنصلية الاميركية في جدة.
اذن لقد دفع هذا المناخ تنظيم القاعدة الى الانتقال الى اليمن وتشكيل قيادته هناك تحت مسمى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وفي اليمن ورغم عمليات الملاحقة والاعتقال والمحاكمة التي قامت بها قوات الامن اليمنية بحق عناصر القاعدة حيث تمكنت من قتل واعتقال العديد منهم، فان الدولة اليمنية مازالت تعاني من صعوبات كبيرة في مواجهة القاعدة وبرز ذلك بعد عملية الهروب الكبير في 3 فبراير 2006 حيث سجل فرار 23 سجينا بتهمة الارهاب بينهم بعض قيادات القاعدة من سجن للامن السياسي بعد حفر نفق طوله 45 مترا في اقل من شهرين.
وتعاني اجهزة الامن اليمنية من عدم قدرتها على التواجد في مناطق جنوبية مثل ابين وشبوة لدرجة انه عندما قصفت هذه المناطق بالصواريخ الاميركية لم تنتشر فيها قوات الامن اليمنية خوفا من تصدي الاهالي لها الذين غالبا ما يرفضون الحضور الامني والعسكري للسلطة ويتصدون لذلك الحضور بالقوة وقد سجلت العديد من عمليات اقتحام مواطنين لمراكز حكومية واشتباكات مع قوات الامن.
ولقد ساعد الخطاب السياسي للحراك الذي يهاجم النظام القائم ويشكك بكل ما يقوم به، تنظيم القاعدة وخلق هذا الخطاب رأيا عاما يلتقي مع القاعدة حول ضرورة اسقاط النظام مع اختلاف في الاسلوب والهدف الحقيقي لكل منهما، تمكن عناصر القاعدة من الانضواء في نطاق القبائل والاستفادة من الحماية القبلية وتسهيلات الحركة ضمن مناطق القبيلة بطريقة مشابهة لما يحصل حاليا في شرق باكستان ومناطق وزيرستان الامر الذي يوفر الغطاء اللازم لهم ويتيح التدريب والقيام باعمال الاستطلاع والاستعداد لتنفيذ اعمال ارهابية.
وهذا الارباك اليمني حمل الولايات المتحدة على تركيز اهتمامها على محاربة القاعدة في اليمن خوفا من انتشار اخطارها المذكورة انفا، لاول مرة منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 ويرى محللو وكالة المخابرات المركزية احد فروع القاعدة، اي تنظيم جزيرة العرب، على انه اكثر تهديدا لأمن الولايات المتحدة بالاضافة الى تهديد المنظمة الرئيسية في باكستان وافغانستان.
ولقد دفع هذا التقييم كبار المسؤولين في الادارة الاميركية الى تصعيد العمليات العسكرية في اليمن واقتراح القيام بهجمات بواسطة طائرات من دون طيار.
وفي حديث مع واشنطن بوست قال احد كبار المسؤولين في الادارة: اننا نعمل لاستخدام كل امكانياتنا المتوافرة واعداد خطط لتسريع العمليات في اليمن من دون ان تتأثر وتيرة العمليات في باكستان، ووصف المسؤول نفسه ان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يشهد نموا ملحوظا وان الولايات المتحدة قلقة حيال ذلك اكثر مما كانت عليه من قبل.
أنور العولقي
ووصف هذا التنظيم ايضا بانه اكثر ضراوة واقداما اذ انهم وبعد اشهر قليلة على توحيد التنظيم نجحوا في اعداد خطة وتنفيذها بارسال انتحاري على متن طائرة متوجهة الى ديترويت هو النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب، واوضح ايضا ان هناك دورا لليمني الاميركي المولد انور العولقي «وهو المتهم بانه يقف وراء الهجوم الذي وقع في فورت هود تكساس» في قيادة التنظيم، وقد ساعدته لغته الإنجليزية الطليقة على توسيع النطاق الجغرافي لعمل التنظيم.
وكتب فيليب ماد وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية في مجلة مكافحة الارهاب الصادرة عن اكاديمية وست بوينت ان الحدود الباكستانية الافغانية لن تبقى وحدها مصدر الخطر وناقش احتمال ان احدى الخطط المعدة للقيام بعمل ارهابي في الولايات المتحدة ستنجح»
وفي اشارة واضحة على جدية التركيز على اليمن قال احد المسؤولين في ادارة اوباما لواشنطن بوست ان تصعيد العمليات في اليمن يهدف الى تحسين الاستخبارات في تلك البلاد واضافة خيارات جديدة من اجل تنفيذ هجمات عند تحديد اهداف ارهابية.
وتمتلك وكالة المخابرات المركزية قدرات وامكانات في باكستان ما مقداره اكثر بعشر مرات مما تمتلكه في اليمن، ولقد طورت وحسنت الضباط المتابعين للاوضاع اليمنية لكنها لم تنشر بعد طائرات من دون طيار لاستخدامها بتنفيذ هجمات على عناصر القاعدة.
اما الهجمات التي نفذت مؤخرا فقد كانت بواسطة صواريخ كروز من فوق السفن والغواصات المبحرة في خليج عدن والمحيط الهندي وباسلحة اخرى اقل دقة من تلك التي تحملها الطائرات من دون طيار، فقد اخطأ صاروخ اميركي هدفه المحدد وهو تجمع لعناصر القاعدة واصاب نائب محافظ مأرب وأدى الى مقتله وتبين لاحقا انه كان يحاول اقناع عناصر القاعدة بالاستسلام.
وسرعان ما ظهر اعتراض من الحكومة اليمنية على وجود طائرات من دون طيار على اراضيها وقال مسؤول يمني ان الوضع في اليمن يختلف عن الوضع في باكستان، هذا الكلام دفع وكالة المخابرات المركزية الى تحسين امكاناتها من اجل القيام بهجمات ضد الارهابيين انطلاقا من قاعدة اميركية في جيبوتي اذا ما استمرت الحكومة اليمنية بالممانعة.
ويخشى بعض المسؤولين في وكالة المخابرات المركزية من ان تكون مواجهة القاعدة في اليمن اصعب مما هي عليه في باكستان باعتبار ان اليمن هي الموطن الاصلي لزعيم تنظيم القاعدة في العالم اسامة بن لادن، وفي جانب آخر من الادارة الاميركية، تضطلع وزارة الخارجية - مكتب مكافحة الارهاب بالجزء الاكبر من مهام المواجهة في اليمن وهي لا تلتقي تماما مع طروحات وكالة المخابرات المركزية.
ويرى منسق مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية دانيال بنجامين في محاضرة القاها في 7 سبتمبر 2010 في مؤسسة الولايات المتحدة للسلام ـ مجموعة السلام في اليمن انه لا يوافق على تصنيفات وترتيب لدرجة خطورة الارهاب وذلك ردا على ما تروج له وكالة المخابرات المركزية ويضيف ان الخطر الناشئ عن الارهاب في اليمن هو مبعث قلق امني للولايات المتحدة لكن تنظيم القاعدة الاساس في باكستان يبقى شديد الخطورة ويستهدف الولايات المتحدة باستمرار.
ويضيف ان اليمن ليس هاجسا امنيا جديدا ففي ديسمبر عام 1992 استهدفت عملية تفجير ارهابية جنودا اميركيين في فندق في عدن كانوا في طريقهم الى الصومال. وعام 2000 وقع تفجير المدمرة الاميركية كول الراسية في ميناء عدن. ومنذ ذلك الوقت تقوم السلطات اليمنية بشن هجمات على عناصر القاعدة ومراكزها واوقفت العديد من القيادات والعناصر واخرها الهجوم الذي شنته قوات الامن اليمنية في اواخر سبتمبر 2010 على منطقة الحوطة في مديرية ميفعة، محافظة شبوة وتمكنت حسب بيان لها من «تطهير المنطقة من الارهابيين». ورافق ذلك انباء عن فرار مجموعات من القاعدة الى الجبال المجاورة ونزوح العديد من الاهالي الامر الذي خلق وضعا انسانيا صعبا زاد من صعوبة الوضع القائم اصلا.
أعمال إرهابية داخل الولايات المتحدة
وحسب كلام لبنجامين يعتبر ان المهم اليوم هو ان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب اظهر رغبته في القيام بأعمال ارهابية داخل الولايات المتحدة وذلك عندما شن عملية النيجيري عمر عبدالمطلب. وبعد هذه الحادثة اجرت ادارة الرئيس اوباما مراجعة شاملة لسياستها في اليمن وتوصلت الى اعتماد مقاربة جديدة للوضع في هذا البلد دعت الى التنسيق مع «لاعبين دوليين اخرين» لتحقيق الاهداف. وقد حدد بنجامين ان الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة تسعى لمعرفة اسباب وجذور عدم الاستقرار وتحسين اداء الحكومة والاساس في ذلك هو بسط سلطة الدولة وقواتها الامنية على جميع السكان في جميع انحاء البلاد.
وقام العديد من مسؤولي الادارة الاميركية بزيارات الى اليمن وعقدوا اجتماعات على اعلى المستويات من بينهم نائب رئيس مجلس الامن القومي برنان ومعاون وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان والجنرال بترايوس عندما كان قائدا للقيادة الوسطى.
في المقابل استضافت جامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع في واشنطن وفدا رسميا يمنيا لمدة اسبوعين عقد خلالها سلسلة من الاجتماعات مع المعنيين بالموضوع اليمني في الادارة.
وبنتائج هذه اللقاءات تبين للادارة الاميركية ان الحكومة اليمنية مدركة لخطورة التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وانها نفذت عمليات واسعة النطاق لضرب قيادته وعناصره وحرمانه من الملاذ الامن في اليمن، ويرى بنجامين ان هذه العمليات ستؤدي مع الوقت الى اضعاف قيادة التنظيم ومنعه من اعادة تنظيم صفوفه ومن التدريب والتحرك للقيام بأعمال ارهابية.
وحدد بنجامين وجهين لاستراتيجية الولايات المتحدة: الاول مساعدة الحكومة اليمنية لمواجهة الخطر الامني للقاعدة والثاني التخفيف من حدة المشاكل السياسية والاقتصادية والادارية التي تعاني منها البلاد.
ومطلع عام 2010 انشئ محفل اصدقاء اليمن وهي مجموعة تهدف الى خلق مناخ للتنسيق الدولي وانشاء مجموعات عمل حول الاقتصاد والادارة والعدل وحكم القانون. يسعى اصدقاء اليمن لخدمة ذلك البلد عبر:
ـ دعم الحوار السياسي الوطني واجراء انتخابات عام2011.
ـ انشاء محاكم جديدة وزيادة عديد قوات الشرطة في المناطق النائية عن العاصمة ومراكز المحافظات.
ـ تجديد ودعم وتنسيق التحسينات في امن الحدود والمطارات والمعابر.
وعقد اصدقاء اليمن اجتماعا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في 25 سبتمبر 2010 وأبرز ما خرج به الاجتماع هو تأييد أصدقاء اليمن لتأسيس مكتب لدول مجلس التعاون الخليجي في صنعاء ليساعد جميع المانحين على تخطيط المساعدات وتنسيقها وتقديمها لليمن بشكل أكثر فاعلية، كما شجعوا الإسهام في ذلك بتمويل خليجي.
هذا في جانب التنمية والاقتصاد أما في جانب العدل والأمن وسيادة القانون فقد أعلن في الاجتماع عن إعداد إستراتيجية «مكافحة الإرهاب الخاصة باليمن»، وهي إستراتيجية شاملة تضم جميع الإدارات الحكومية.
وورد في بيان صادر عن المجتمعين ان المجموعة تمثل أساسا متينا لمعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكامنة وراء الإرهاب والتطرف. وقد شارك في الاجتماع الذي عقد برئاسة مشتركة من حكومات اليمن والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، وزراء وممثلون عن 27 دولة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والمنظمات الدولية المانحة.
ومثل الرئاسة المشتركة للاجتماع وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر عبدالله القربي، ووكيل وزارة خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة الأمير تركي بن محمد آل سعود، ووزير خارجية بريطانيا الصديقة السيد وليام هييغ.
الدعم ينتظر الأفعال الحقيقية
هذا الدعم السياسي والدعم النظري مازالا ينتظران ان يترجما الى افعال حقيقية وبقي السباق قائما بين نمو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والاجراءات العملية لمكافحته.
وبحسب وزارة الخارجية الاميركية زادت المساعدة الاميركية لليمن من 17.2 مليون دولار عام 2008 الى 40.3 مليون دولار عام 2009 ونحو 67.5 مليون دولار عام 2010 وقد طلب الرئيس اوباما مبلغ 106.6 ملايين دولار على موازنة عام 2011. هذه المساعدات لا تشمل المساعدات الانسانية للنازحين التي بلغت 42.5 مليون دولار عام 2010 لاغاثة نحو 372 الف نازح جراء الحروب الداخلية.
هذه الارقام الزهيدة نسبيا لا تكفي ابدا لمواجهة التنظيم واخطاره ولا تعبر عن المستوى السياسي في التعاطي مع اليمن في حربه على الارهاب وهي لا تكفي لسد عجز هنا او هناك في بلد فقير كثير السكان ومترامي الاطراف ويتمتع بموقع استراتيجي هام يتطلب منه امكانات كبيرة في التسليح والتجهيز لضبط الحدود والسواحل والمرافئ والمطارات.
هذه الامكانات لا يمكن تحقيقها من خلال اقتصاد البلد المنهار اصلا والذي يعاني من الحروب الداخلية المكلفة, واذا كانت الدولة العظمى الوحيدة في العالم والتي اعلنت حربا مستمرة على الارهاب تتعاطى بهذا التقصير مع اليمن لن نستغرب يوما اذا سمعنا ان شوكة هذا التنظيم قد قويت رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة اليمنية.
ولا يقتصر خطر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على اليمن وحده ولا على الولايات المتحدة بل يتعدى الى المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. لقد كشفت عملية التفجير التي تعرضت لها ناقلة النفط اليابانية في مضيق هرمز والتي اعلن هذا التنظيم مسؤوليته عنها، ان الخطر يتوسع نحو جميع دول مجلس التعاون وسواحلها. ويمكن لهيئة من الجامعة العربية او من دول مجلس التعاون ادراك وفهم متطلبات وحاجات اليمن السياسية والاقتصادية والامنية والدفاعية والثقافية، ويمكنها اجراء مصالحات بين الحكومة المركزية والحوثيين والحراك الجنوبي مع كل مايتوجب عن هذه المصالحات من اجراءات سياسية وادارية واقتصادية تدعم الدولة المركزية وتحفظ حقوق الجميع.
والمهم هو التنسيق الامني بين دول مجلس التعاون ودعم اليمن ماليا وتنفيذ خطة انمائية كفيلة بالنهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب اليمني. ان وحدة اليمن وقوته وتقدمه الاقتصادي ورخاءه الاجتماعي وسلامة النظام السياسي كفيلة جميعا بتمكين هذا البلد من مواجهة اخطار الارهاب على اختلاف انواعها ومن بينها الخطر الراهن لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
إلياس فرحات
عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني.
تطوع في المدرسة الحربية وتخرج برتبة ملازم في سلاح الدفاع الجوي وتدرج في الترقية حتى رتبة عميد.
تابع دورات دراسية في مصر والولايات المتحدة وسورية والسويد.
شغل مناصب عديدة ابرزها مدير التوجيه في قيادة الجيش وقائد كلية فؤاد شهاب للقيادة والاركان.
ترجم عدة كتب عن الإنجليزية ابرزها الحروب العربية - الاسرائيلية وعملية السلام تأليف سيدني بيلي والحروب السرية للاستخبارات الاسرائيلية تأليف ايان بلاك وبني موريس وتحت النار لاوليفر نورث واللوجستي للجنرال غاس باغونيس. |