سالم الحمر
كما أن الوفاء بالعهد محمود، فإن الغدر ونقض العهد من أقبح الخصال والطباع، وقد بين الله أن الغدر ينزع الثقة ويثير الفوضى ويمزق أواصر المحبة ويرد الاقوياء ضعافا واهنين، فقال سبحانه (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة انما يبلوكم الله به وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون).
نعم ان الرجل قد يحل عقدا أبرمه ينتظر ربحا أوفر من عقد آخر، وان الامة قد تطرح معاهدة بينها وبين أمة أخرى جريا وراء مصلحة أحظى لديها، وهذا ليس من الدين في شيء لأن الاسلام يوجب الشرف على الفرد والجماعة حتى تصان العقود على الفقر والغنى وعلى النصر والهزيمة.
ويحذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الغدر ونقض العهد فيقول في الحديث الشريف: «ثلاث من كن فيه كن عليه، البغي - وهو الظلم ومجاوزة الحد - لأن الله سبحانه وتعالى يقول (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) ونكث العهد، فإن الله يقول (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) والمكر فإن الله يقول (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) وها هو صلى الله عليه وسلم يضرب لنا أروع الأمثلة في البعد عن الغدر ونقض العهد في صلح الحديبية، حيث كان من بين شروط الصلح أن من أسلم من الكفار وتوجه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الرسول أن يرده الى الكفار، ومن ارتد من المسلمين وفر من المدينة الى مكة، كان من حق قريش أن ترحب به وأن تقبله ولا تسلمه للمسلمين ولم يكد يجف مداد هذه الشروط حتى أسلم رجل من المشركين وهو أبو جندل بن سهيل بن عمرو، الذي وقع شروط المعاهدة عن أهل مكة الكفار وأقبل على رسول الله مستغيثا بجيش المسلمين، وما ان وصل الى مجلس رسول الله حتى كان وراءه سهيل بن عمرو، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بتسليم ابن جندل الى أبيه فقال أبوجندل معاتبا المسلمين «أوتردونني الى المشركين ليفتنوني في ديني» قال له المسلمون وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم: «انه الوفاء يا أبا جندل وأنت تعلم أن الاسلام دين الوفاء فاصبر حتى يجعل الله لك من أمرك فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم» ان الذين يغدرون وينقضون العهد سيكون الله خصمهم لأنهم ارتكبوا جريمة في حق الله أولا فلم يرهبوا جلاله ولم يخافوا بأسه ولم يخشوا لقاءه، في الوقت الذي خافوا الناس فيه وعملوا لهم ألف حساب فراحوا يرتكبون جريمة الغدر بعيدا عن أنظارهم وعن أفكارهم، وغاب عنهم ان عين الله ترقبهم وان علمه يشملهم وان سلطانه يتحداهم وانه لا يخفى عليه شيء.