إذا قيل «أسد الله» انصرف ذهن السامع إلى ذلك البطل المجاهد حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الإمام البطل الضرغام ـ أسد الله ـ ابوعامرة، وابويعلى القرشي الهاشمي المكي ثم المدني البدري الشهيد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واخوه من الرضاعة.
لقد كان لحمزة مواقف تسطر بماء الذهب، بل سطرها التاريخ بأحرف من نور وحضنها بين دفتيه، يخبر بها أجيال المستقبل، لكي يستفيد من تلك المواقف الغابرة الماضية، لقد سطر التاريخ سيرة أفضل جيل شهدته البشرية، جيل الصحابة، نبلا وعدلا وعزة وتضحية وايمانا وصدقا، فرضي الله عنهم وارضاهم اجمعين.
قال سعد بن ابي وقاص: كان حمزة يقاتل يوم احد بين يدي رسول الله بسيفين ويقول: أنا أسد الله، لقد صال حمزة بسيفه ميمنة وميسرة، مدافعا عن كلمة الحق «لا إله إلا الله» وبينما هو كذلك، كان هناك من يترصد له ليقتله، وذلك لأن حمزة كان بغيته المنشودة فبقتله يذوق وحشي طعم الحرية كما وعده مولاه جبير بن مطعم حيث يقول وحشي «ورأيت رجلا اذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا، فقلت من هذا؟ قالوا حمزة، قلت: هذا حاجتي».
ولنقرأ قصته في أصح كتاب من كتب السنة لنتعرف على بعض الفوائد منها: قال البخاري في «باب قتل حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه»: وحدثني ابوجعفر محمد بن عبدالله حدثنا حجين المثنى حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله بن ابي سلمة عن عبدالله بن الفضل عن سليمان بن اليسار عن جعفر بن عمرو بن امية الضمري قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة؟ قلت نعم، وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه ميت، قال: فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا، فرد السلام، قال عبيد الله متجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينه ورجليه فقال عبيد الله يا وحشي اتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال لا والله، قال، إلا اني اعلم ان عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها ام قتال بنت ابي العاصي، فولدت له غلاما بمكة فكنت استرضع له، فحملت ذلك الغلام مع امه فناولتها اياه، فلكأني نظرت الى قدميك، قال: فكشف عبيد الله عن وجهه فقال: ألا تخبرنا بقتل حمزة، قال: نعم، إن حمزة قتل طعميه بن عدي بن الخيار ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم ان قتلت حمزة بعمي فأنت حر، قال: فلما ان خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بجبال احد، بينهما واد، خرجت مع الناس إلى القتال، فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارزة؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبدالمطلب أتُحاد الله ورسوله، ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب، قال وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي في ثنته، حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذلك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى انتشر فيها الاسلام ثم خرجت الى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله رسلا، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال لي: أنت وحشي؟ قلت: نعم، قال: أنت قتلت حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع ان تغيب وجهك عني؟ قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب قلت لأخرجن لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان قال: فإذا رجل قائم في ثلمد جدار كأنه حمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه. قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته، قال: قال عبدالله بن الفضل: فأخبرني سليمان بن يسار انه سمع عبدالله بن عمر يقول: «فقالت جارية على ظهر بيت» وأمير المؤمنين قتله العبد الأسود.
مقتل حمزة
عن كعب بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى مقتل حمزة. فقال رجل: اعزك الله انا رأيت مقتله، فانطلق فوقف على حمزة فرآه قد شق بطنه وقد مثل به فقال يا رسول الله قد مثل به، فكره رسول الله ان ينظر اليه، ووقف بين القتلى وقال: انا شهيد على هؤلاء لفوهم بدمائهم فإنه ليس مجروح بجرح في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة يوما لونه لون الدم وريحه ريح المسك قدموا أكثرهم قرآنا واجعلوه في اللحد.
حمزة ووحشي بين الشهادة والإسلام
وعن وحشي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: وحشي، قلت: نعم، قال: قتلت حمزة، قلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده.
قالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟ فقلت: يا رسول الله فاستغفر لي فتفل في الأرض ثلاثة ودفع في صدري ثلاثة وقال: وحشي اخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله.