محمد المحاميد
من أهم الكتب ذات القيمة الادبية التي احتوتها المكتبة العربية، ويكتسب الكتاب قيمته لأهمية الشخصية التي يتناولها، وهي شخصية الأمير محمد بن احمد السديري - رحمه الله - لما يتمتع به السديري من اهمية ادبية ومكانة اجتماعية وسياسية مرموقة.
يعتبر محمد احمد السديري المولود سنة (1335هـ - 1915م) والمتوفي سنة (1399هـ - 1979م) أحد أهم المدارس الشعرية في العصر الحديث بما قدمه من تجربة شعرية ثرية ومتفردة، حيث انتهج الكثير من الشعراء المعاصرين اسلوبه وساروا في خطى مدرسته عبر تجاربهم الشعرية.
الكتاب الذي يقع في (470) صفحة من القطع الكبير للمؤلف حسين عبدالحميد بديوي، احتوى بين دفتيه توثيقا شاملا لحياة الراحل محمد احمد السديري، وجاء في ثلاثة اقسام، احتوى كل قسم على عدة فصول تناولت بعض جوانب حياة الامير الشاعر.
يبدأ المؤلف الفصل الاول من كتابه بنبذة تاريخية عن آل السديري، ثم يتحدث بايجاز عن احمد السديري الكبير والد الشاعر مبينا المكانة الكبيرة للشاعر في نفس والده آنذاك ومدي ثقته واعجابه بخصائصه الرجولية من وفاء وصبر وتضحية، موردا ابيات شعر للوالد في ابنه الامير محمد:
محمد ابني ما حصل منه الانكار
ما خاب ظنّي به كعام المصاطير
هيلع حرار ويكرم الضيف والبحار
ويرخص لي النفس العزيزة بتصخير
ثم يتناول الكاتب في الفصل الثاني من الكتاب حياة محمد السديري الاجتماعية وما تمتع به من علم واخلاق كريمة، ثم يعرض للمناصب التي تقلدها السديري كأمير لمنطقة الجوف، ثم امير لمنطقة جازان الى ان كلف بقيادة قوات المجاهدين من اجل فلسطين، ثم تقلده منصب امير محافظة خط الانابيب انتهاء بتعيينه مشرفا على الحدود الجنوبية في منطقة جازان، مشيرا الى ان السديري وبدءا من العام 1956 ولغاية 1962 تهيأت له الفرصة لقراءة دواوين الشعراء البارزين في الشعر الشعبي، واستطاع ان يقطف من موهبته الخصبة ثمرات شعرية يانعة.
ويركز المؤلف من خلال الكتاب على مواقف ومزايا السديري من شهامة وكرم، وتناول في الفصل الاخير من القسم الأول المحطة الأخيرة في حياته، مشيرا الى ان محمد السديري قد انتهى به المطاف الى الاستقرار في بيوته ومزارعه بالطائف والقصيم، وهي محطة التقاط الأنفاس والعودة الى حياة الهدوء والتأمل والتمكن من اطلاق الموهبة الشعرية الكامنة في وجدانه.
في القسم الثاني من الكتاب والذي جاء تحت عنوان «الأمير محمد بن احمد السديري شاعرا»، في لمحة سريعة يكشف لنا المؤلف عن اهمية الشعر عند آل السديري، مبينا ان هذه الموهبة ملكة متوارثة عن اسلافهم القدماء، بينما يتناول في الفصل الثاني مفردات من القاموس الشعري للسديري مقسما الأغراض الشعرية التي زخرت بها تجربته الشعرية: الدنيا، الهم العميق، الوطن، القهوة، الفخر، التوجه الى الله، ويورد مقاطع شعرية جميلة لكل هذه الأغراض:
يقطعك دنيا ما لها اول وتالي
لو اضحكت للغبن نقرع بالأجراس
كم فرقت ما بين غالي وغالي
لو شفت منها ربح ترجع للافلاس
وفي حب الوطن:
إن كان بي عذروب حبي لأهل نجد
احبها واحب شمة هواها
احبها يوم انها ديرة المجد
دار تمكن بالضماير غلاها
وحول اشعار السديري عن القهوة يورد الكاتب اجمل ما كتب عنها بشكل عام حيث تفرد السديري بهذا الموضوع واعطاه من شعره الكثير لما للقهوة من مكانة في قلب كل بدوي باعتبارها مزيلة الهموم وعنوان الضيافة والسمر في البادية:
يا عمير شب النار والمسر صفه
يوم النعايم بارزات تكاشف
واحمس من البن اليماني وصفه
هذا هواي وكل نفس لها شف
ويلزمك في يمناك يمي تزفه
عطنيه حيث اني عليه اتلاهف
يبرى هموم بالحشا يوم أشفه
منها معاليق الضماير تواجف
أما الفصل الثالث من القسم الثاني فتناول الكاتب خلاله المطولات الشعرية في قصائد السديري واورد الملاحم الشعرية الثلاث الخالدة للشاعر وما فيها من نفس طويل وتنوع في الموضوعات واشادة بالمبادئ والمثل، وهي الملحمة الشعبية الملحمة الزايدية، وملحمة عكاظ، ثم يتناول الكاتب بالعرض والتحليل للملحمة الشعرية «الدمعة الحمراء» للسديري، مشيرا الى ان الشاعر سطر فيها واحدة من اروع ملاحم الشجاعة والوفاء والحب النقي، مشيرا الى ان «الدمعة الحمراء» تعتبر المحاولة الاولى من نوعها في مجال فن المسرحية الشعرية في المملكة العربية السعودية، ثم يأتي الكاتب للحديث عن اصدار السديري للسيرة الأدبية التاريخية «أبطال من الصحراء» وما تعكسه من صور حية تفصل حياة البادية وعلاقات القبائل من خلال تناوله لنماذج من رجالاتها الذين كان لهم دور بارز في الحياة وفرضوا حضورا كبيرا بين القبائل، مثل الشيخ سعدون العواجي، ساجر الرافدي، شالح بن هدلان، محدي الهبداني، وخلف الزيد الأذن. ويتناول المؤلف في الباب الخامس الاخوانيات في شعر السديري والتي كانت عبارة عن رسائل شعرية متبادلة بين الامير الشاعر وغيره من الشعراء، والقصائد الموجهة من الشاعر الى بعض الشخصيات المرموقة.
كتاب السديري وما حواه من مادة قيمة ثرية جاء مدعما بعدد كبير من الصور للشاعر محمد السديري في كثير من المناسبات، وجاء شاملا بموضوعاته وتوثيقه لشخصية مهمة ومؤثرة ستبقى مثلا ومدرسة للشعراء ومتذوقي الشعر على مر العصور والأجيال.
صفحة الواحة في ملف ( pdf )