إنه الحاج صالح أحمد محمد علي الشواف من وجهاء الكويت، توفي صباح الجمعة الماضي بعد حياة حافلة ابتداء من 1935. وعائلة الشواف الكرام أصولهم من الأحساء في قرية الهفوف، فريج يسمى «الفوارس» نسبة إلى جدهم الكبير فارس الشواف. كان والده خياطا للبشوت من خلال ديوانية البيت في المطبة في شرق مدينة الكويت عام 1333هـ، وهي كذلك منتدى للأحاديث التجارية والسياسية والأدبية. وتأسست فيها حسينية الشواف المعروفة، قبل أن تنتقل الى الدسمة حيث كانت مشهورة بتزاحم جماهير المستمعين إلى عميد الخطباء المرحوم الشيخ أحمد الوائلي، قبل أن تنتقل الى ضاحية عبدالله السالم. لتعود مرة أخرى الى الدسمة لتصبح ديوانية الشواف الشاملة، لتجمع بين المجلس الحسيني، والمنتدى الاجتماعي حيث يتصدره الحاج صالح الشواف (بو زيد).
عمل والده أخيرا في تجارة المواد الغذائية المستوردة من البصرة، والمحمرة، وعبدان، إلى الكويت والبحرين.
واعتمدته الحكومة ليشهد ويوقع على نماذج بطاقة التموين للناس الذين يسكنون في الشرق، خاصة في «محلة الشواف» لكي يحصلوا على التموين المقرر أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945). وفي سنة الهدامة التي هدمت فيها البيوت وشردت الأهالي بسبب هطول الأمطار الغزيرة في عام 1934، والمنحدرة من جهة القبلة المرتفعة إلى الشرق المنخفضة، قام والده، رحمه الله، بشراء أرض فوقفها لتجمع فيها مياه الأمطار وعرفت بحفرة الشواف.
تعلم صالح الشواف عند الملا عبدالله بوبلال الحساب والخط والقرآن الكريم. لينتقل الى المدرسة الجعفرية. ثم درس «مسك الدفاتر» عند الأستاذ عبدالله سنان، ليكلفه والده في إدارة حساباته التجارية.
بعد وفاة والده عام 1950، وبعد تثمين بيوتهم اجتمع الإخوة لينظموا أنفسهم ويتوسعوا في التجارة، مع الهند والصين وأوروبا، لتتعدد وكالاتهم ومتاجرهم ومنها وكالات المعدات الطبية وسيارات متعددة ابتداء من عام 1958.
الحاج «بو زيد» معروف بنشاطه الاجتماعي والخيري، كان يملك من الرقة في القلب لمساعدة الضعفاء، والمساهمة في أعمال الخير، سرا وعلانية.
حج في حملة التوحيد 34 حجة، وكان ترمومتر أداء الحملة، كان يشيد بالمواقف الإيجابية وينصحهم إذا رأى أي سلبية. وكان يجلس على طاولة لتناول وجبته اليومية من الغداء والعشاء هذه الطاولة يصير عليها تسابق من الحجاج بسبب المواضيع المشوقة التي يطرحها المرحوم «بو زيد» ويتناقشون فيها وتستمر جلستهم فترة طويلة. كانت لديه ملكة المزاح اللطيف، ليرسم على الوجوه الابتسامة. وكان يحرص، رحمه الله، على ألا يجرح أحدا ولا يؤذي أحدا.
يتميز المرحوم حجي صالح في الحلقات النقاشية الجادة بصمته كمستمع جيد دون أن يقاطع أحدا، ومع كبر سنه ووقاره إلا انه يستأذن ليدلو بدلوه الذي يبهر الجميع، كان مثقفا جدا وقارئا متميزا.
على مائدة الريوق في مكة المكرمة، ناقش معي شجون الوصية والأوقاف، وقال إنه يريد أن يرتب أموره المالية، قبل أن يدهمه المرض، ويتخيل في وقتها أن الخراطيم والأربطة والمجسات الطبية وغياب الوعي، ستشله عن القيام بما يمليه عليه الشرع والضمير.
رحمه الله، كان واقعيا وبعيد النظر، يعتبر ويتعظ من غيره، فعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، وعمل لآخرته كأنه يموت غدا. وهذا الغد قد جاء! ليترك الأثر الطيب والذكريات الجميلة والصدقة الجارية، فهنيئا له.
رحمه الله تعالى وحشره مع من كان يحبهم ويتولاهم النبي الأكرم وآله الأطهار وأصحابهم المنتجبين.
الفاتحة.
[email protected]