يرى عالم النفس «جيان بياغيه» أن الصراع جزء أساسي للتطور العقلي فمن خلال المعارك مع الأهل ثم الأقران يتعلم الأطفال التأقلم مع العالم وتنمية استراتيجيات تمكنهم من التعامل مع مشكلات الحياة، فمن يحاطون بهالة من الرعاية الفائقة يتبلد تفكيرهم وتجمد آراؤهم ويفتقرون للمرونة وفنون المناورة وامتلاك أدوات مهمة للتعامل مع أحداث الحياة.
«واجه.. ولو كنت وحدك» من أجمل وأعمق الشعارات في الانتخابات البرلمانية السابقة تصدر بها الفاضل د.عبدالكريم الكندري دائرته الانتخابية بالمركز الأول، فمواجهة التحديات والخصوم تمنح الإنسان مقياسا يقيم بها نفسه على كل المستويات ويبقيه متحفزا يقظا ينمي فيه استراتيجياته في التفكير والتحليل والتعامل مع المشكلات وتمنح رؤية أوسع لمجريات الحياة، هذا الشعار جعلني أستحضر قصة المرأة الحديدية مارغريت تاتشر التي دخلت معترك السياسة ولديها شهية جامحة للمواجهة وخوض المعارك بينما كان السياسيون حينها ميالين للتصالح والمداهنة كنوع من الديبلوماسية الناعمة لكسب الآخرين ولتمرير مصالحهم الخاصة، وعندما وصلت تاتشر لرئاسة الوزراء في بريطانيا واجهت انتقادات لاذعة وهجوما عنيفا تجاه قراراتها ومواقفها الصارمة من قبل زملائها في الحزب ناهيكم عن خصومها في الحزب المنافس، وجراء تلك القرارات تراجعت شعبيتها وراهن السياسيون على سقوطها في الانتخابات القادمة لا محالة.
وفي عام 1982م اجتاحت السلطة الحاكمة في الأرجنتين جزر الفوكلاند البريطانية، وعلى بعد 8 أميال قررت تاتشر إرسالها قواتها البحرية لاستعادة الجزر فقوبل هذا القرار بالهجوم من السياسيين بعدم جدوى هذه الحرب لاستعادة جزر نائية بالإضافة إلى أن خسارة هذه الحرب تعني سقوط الحزب بأكمله، وقفت تاتشر كصخرة عتية أمام سهام النقد والهجوم وواجهتها وحدها حتى استعادت جزر الفوكلاند فوقفت منتصبة القامة مرفوعة الرأس وارتفعت شعبيتها بصورة كبيرة وأصبحت هي المسيطرة على المشهد السياسي في بريطانيا لسنوات.
واجه مشكلاتك الصغيرة لئلا تتحول لكرة جليد جارفة، واجه عاداتك المكبلة لانطلاقتك في دروب النجاح، واجه فسادا ينخر بمجتمعك لترتقي به، واجه علاقات مسمومة جثمت على روحك، واجه.. ولو كنت وحدك.
فالتغيير يبدأ بمواجهة الذات ثم يصنعه فرد واحد أو أفراد قلة يؤمنون بفكرة أو قضية إلى حد الاعتقاد الحار سرعان ما تتحول لحركة فاعلة في المجتمع.
[email protected]
