عادة ما يكون عنصر «الثقة» هو أهم شيء أثناء فترات تفشي الأوبئة. وقد فطنت بكين وموسكو في وقت مبكر، إلى الفوائد المحتملة للمضي قدما في السباق من أجل إنتاج لقاح فعال ضد مرض «كوفيد-19» الناتج عن الاصابة بڤيروس كورونا المستجد.
وذكرت وكالة «بلومبيرغ» للأنباء، أنه بغض النظر عن الفوائد التي تعود على الصحة العامة، والوعي الشديد لدى الحكومتين بشأن حاجة كل منهما إلى الاعتماد على الذات، فإنه من شأن الفوز الواضح في إنتاج اللقاح أن يثبت صحة نهج الحكومة والابتكار.
وقد يعني ذلك أيضا تعزيز المكانة التي هناك حاجة ملحة إليها، في الداخل والخارج. وفي النهاية، نجح كلاهما. فقد صارت موسكو في أغسطس الماضي، أول من يمنح الموافقة التنظيمية على أحد لقاحيها المرشحين بصورة كبيرة، وذلك وسط ضجة إعلامية كبيرة. وفي ذلك الوقت، كانت بكين قد سمحت بالفعل بإعطاء جرعات من أحد لقاحاتها لجيشها.
ويشار إلى أن حوالي خمس جميع اللقاحات التي قامت منظمة الصحة العالمية بإدراجها بوصفها أنها تخضع لتجارب سريرية، هي لقاحات صينية. إلا أنه بدون توافر المزيد من الشفافية بشأن الأبحاث والاختبارات ـ إلى جانب القليل من الدعاية ـ لن تكسب أي من الدولتين الثقة اللازمة من أجل إحراز الثقة اللازمة للفوز بالجائزة بالكامل.
وكدلالة على قلة الثقة، علينا النظر إلى طريقة استجابة السوق للضوء الاخضر الذي منحته روسيا للقاحها «سبوتنيك في»، أو للأخبار المنتشرة بشأن فعالية اللقاح الرئيسي بنسبة تزيد على 90%.
إذا لم يلتفت إليها أحد بالمقارنة مع الحماس الجامح الذي ظهر بعد أن كانت شركة العقاقير الأميركية «موديرنا» نشرت بيانات مشجعة في شهر يوليو، أو في الواقع، بالنظر إلى حالة الإثارة التي ظهرت بينما كان اللقاح الذي أنتجته شركتا «فايزر» الأميركية وشريكتها الألمانية «بيونتك»، يخضع لإجراءات الموافقة التنظيمية الأميركية، بحسب ما ذكرته وكالة «بلومبيرغ» للأنباء.
أما الصين، فقد واجهت عقبة ثقة أكبر من البداية، حيث كانت الدولة التي شهدت تسجيل حالات الاصابة الأولى بالڤيروس، وكانت هناك تساؤلات منذ الأيام الأولى لظهور المرض حول مدى سرعة قيامها بتبادل المعلومات، وربما تسببها في ضياع فرص لإبطاء انتشار الڤيروس.
تى وإن لم يكن الأمر تكرارا لما حدث في عامي 2002 و2003، عندما استغرق الامر شهورا قبل أن تكشف بكين عن تفشي مرض «المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة» المعروفة باسم (سارس)، فإن الحذر ظل موجودا.
كما تأثرت بفضائح خاصة بلقاحات سابقة، آخرها كان بخصوص لقاحات دون المستوى في عام 2018 وقد تم إصلاح الضوابط منذ ذلك الحين.
ولم تكن محنة روسيا مختلفة كثيرا. فالدولة لم تكن قوة كبيرة على صعيد بحوث اللقاحات أو إنتاجها، ولكن الحكومة المعزولة بشكل متزايد، رأت ثمة فرصة لتعزيز مكانتها الدولية وكسب نوع الهالة التي أحاطت بالتقدم العلمي السوفييتي في السباق من أجل إرسال البشر إلى الفضاء. ولذا لم يكن مستغربا إطلاق اسم «سبوتنيك في» على أول لقاح روسي.
ولكن مع ندرة توافر البيانات والكثير من الترويج الحكومي، لم يترجم الاندفاع من أجل الحصول على الموافقات والضجة بشأن النتائج، إلى مكاسب ديبلوماسية أو محلية مثيرة، بحسب ما ذكرته وكالة «بلومبيرغ».
وبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز «ليفادا» المستقل للاستطلاعات في أكتوبر الماضي، فقد قال 59% من الروس الذين شملهم الاستطلاع إنهم لن يتناولوا اللقاح.
وقد وصلت بكين وموسكو إلى خط النهاية بسرعة مثيرة للإعجاب، ولكن بدون الحصول على مزايا المحرك الأول التي كانا يأملان فيها. ومهما حدث بعد ذلك، يتعين على البلدين أن يأخذا في الاعتبار السببين المحددين لذلك المأزق.
والسبب الأول هو الطريقة التي تمت معالجة اللقاح بها في المراحل الاولى للاختبارات. فقد قطع الجميع الطرق الاسهل والاقصر، حيث تم إنجاز طفرات عادة ما تستغرق سنوات للقيام بها، في غضون أشهر فقط، مع تعرض الكثير من الامور للخطر. إلا أن هناك أسئلة محددة بشأن الاستخدام التجريبي واسع النطاق في البلدين.
وقامت الصين بحقن الآلاف بجرعات غير مثبتة خارج نطاق العملية التجريبية، وكان الكثير ممن حصلوا على تلك الجرعات من العمال الذين ربما لم يكن لهم الحرية في الرفض.
أما في روسيا، فقد قام العلماء بتناول اللقاح بأنفسهم، كما تلقى بعض أغنى الشخصيات في البلاد اللقاح التجريبي، في وقت مبكر في أبريل.
كما كانت المجموعات التي خضعت للاختبارات قليلة أيضا.
وتعتبر مسألة الشفافية هي الأهم. فقد نشرت روسيا بعض المعلومات بشأن دراساتها في المرحلتين الأولى والثانية للقاح سبوتنيك.
وبعد نشر النتائج الأولى مباشرة، أثيرت مخاوف من جانب مجموعة من العلماء في الغرب، حيث كانوا يشككون ـ على سبيل المثال ـ في الأنماط المتكررة للبيانات التي لم يتم شرحها بشكل كامل.
وتحتاج البشرية إلى أكبر قدر ممكن من النجاح، وهو الذي لا يحتاج إلا لمزيد من البيانات والشفافية.