مع أجواء الحجر الذي يعيشه العالم ما عسى الأفراد أن يقوموا به؟ البعض والأغلبية يفضلون الجلوس على شاشة التلفاز، وهذا منطقي، إما التلفاز وإما اليوتيوب، وقد تكون هذه الأيام التي نعيشها أسدلت الستار عن حقيقة أن هناك فراغا كبيرا حدث في الدراما المصرية.
الدراما المصرية التي كانت تلقب بهوليوود العرب بسبب الأعمال الدرامية المهمة التي كانت تقدم من عملاقة الفن والأدب المصري، فاليوم وبعد وفاتهم نقولها بصراحه إننا أصبحنا أيتام عمالقة الأدب المصري.
فقد شهدت الدراما المصرية في عهد نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وأسامة أنور عكاشة ملحمة رائعة في الأدب العربي التي كانت حافزا لإنتاج العديد من الأعمال الدرامية التي شدت العالم بأسره لروعة ما كتبه هؤلاء الراحلون، وبعدهم هبطت الدراما المصرية فلم يظهر أحد ينافس العمالقة الذين أسروا العالم بغزارة إنتاجهم وفكرهم وروعة ما كتبوه.
فاليوم قد يتذرع بعض المنتجين بأن فقر الأدب المصري عائد بسبب قلة الإبداع في الكتابة، وهذا عذر غير مقبول فقد نقبله من دول صغيرة ولكن دولة بحجم مصر وتاريخها تجعلنا لا نقبل بهذا العذر على الإطلاق، فأنا متأكدة من أن هناك من ينافس من سطروا أجمل الكلمات في الأدب المصري، ولكن السبب الحقيقي غير ذلك.
فمصر حماها الله ولادة وشعبها عريق ويحمل عمقا في تفكيره، وأنا متأكدة أنه لو قام المنتجون بالتفتيش بحيادية عن الأقلام الحرة فسيجدون ملايين أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومن يماثلهم.
إلا أن الدراما المصرية قد تم توريثها وتم التركيز على قضايا الفساد في الدرجة الأولى فتم تسليط الضوء عليها في الكتابات هذا فضلا على التركيز على الكوميديا الساخرة أي الهدف الرئيسي الإنتاج، وليس تقديم محتوى يعيد الدراما المصرية إلى سابق عهدها.
بالنسبة إلي شخصيا فهذه ليست بمشكلة لأنني أساسا منذ سنوات طويلة وأنا لا وقت لدي لمشاهدة المسلسلات، ولكن هناك أغلبية تقطعت السبل بهم في هذه الحياة ولا يجدون ملاذا آخر سوى مشاهدة المسلسلات فماذا عساهم أن يشاهدوا في ظل تراجع الدراما المصرية بهذا الشكل الملفت؟!
قد يستهتر البعض بمثل هذا الأمر ولا يجده يمثل مشكلة، ولكنه فعلا مشكلة حين يتراجع مستوى الدراما المصرية عما كان عليه، فمصر واجهة العرب وبها نفخر، وصدق من أسماها أم الدنيا، لذا بالتأكيد نرغب كما فاز نجيب محفوظ بنوبل أن يظهر روائي آخر يحصد مثل هذه الجائزة لأنها مفخرة لنا جميعا.
أنا متأكدة أن مشكلة الكتاب في مصر سببها الواسطة والمحسوبية، فهذه الأمراض الاجتماعية متفشية في جميع المجتمعات، وهذا ما جعلنا نجد أن الفن في مصر بات يورث لأبناء الفنانين الذين حققوا نجاحات باهرة وهم مع الأسف ليتهم بمستوى آبائهم لأن الموهبة - عذرا - لا تورث بل تولد بالفطرة مع المرء منا.
لذا نطالب وزارة الإعلام المصرية بأن تضع تراجع مستوى الدراما المصرية بعين الاعتبار مع دراسة الأسباب والبحث عن المواهب الحقيقية لتقديم أدب وكتابات تعيد الدراما المصرية إلى سابق عهدها.
ففي السابق كان الفيلم السينمائي أو المسلسل يكسبك معرفة وخبرة وحكمة وتستفيد منه في حياتك حتى الفكاهة كانت أرقى بكثير مما نشهده اليوم وهذا التراجع مرفوض، لأنه كما ذكرت هناك مشاهدون ومتابعون خسرتهم الدراما المصرية في السنوات الأخيرة وأصبحوا يتابعون أعمالا غير عربية ولا تمت للرحم العربي بصفة وأدخلت علينا عادات وتقاليد غير محببة، وبذلك خسرت مصر جمهورها الكبير.
هناك قضايا كثيرة كشفتها لنا فترة الحظر وهي طبيعية فمن يجلس في مسكنه ولا يخرج ليس لديه عمل آخر يقوم به سوى الصلاة وقراءة القرآن والأذكار والقراءة ومشاهدة التلفاز، وحين نفتح التلفاز نجد أننا أصبحنا كالأيتام بعد موت عمالقة القصة العربية.